يعتقد معظم الناس أن فن المسرح بدأ فى اليونان 900 ق. م، ولكن حقيقة الأمر أنه بدأ فى مصر القديمة قبل الأسرة الأولى حوالى 3400 ق. م «عصر الاتحاد الأول» حيث إن الملك مينا موحد القطرين 3200 ق. م هو صاحب عصر الاتحاد الثانى، وقد يكون فن المسرح بدأ قبل 3400 ق. م بكثير.
المسرحية التى عثرنا عليها كانت على حجر أسود، استخدمه القرويون المصريون لطحن الغلال لذا سميت هذه المسرحية بمسرحية حجر الطاحون، وهذا الحجر موجود الآن فى المتحف البريطانى.. لندن.
فى سنة 800 ق. م أمر «شبكا» ملك مصر بإعادة كتابة هذه المسرحية للأجيال القادمة، مرت الأيام ووقع هذا الحجر الثمين فى يد القرويين الآنف ذكرهم، فجعلوه قاعدة لطاحون تُطحن عليه غلالهم، ضاعت الكلمات، لكن ما تبقى لنا لا يقدر بثمن.
هناك فى هذا الحجر فجوة فى الوسط مؤلمة، وما تبقى لنا جزء على اليمين، وجزء على اليسار، والخاتمة.
هذه المسرحية تعتبر دراما تمثل انتصار الخير على الشر، كذلك نجد على جدران معبد إدفو تمثيلية أخرى باسم: انتصار حورس على أعدائه، ويرجع تاريخ نسخ هذه المسرحية إلى أوائل الأسرة الثانية عشرة.
إن كلمة دراما كلمة يونانية وليست مصرية، وهى تنطق Dramatis ومعناها قصة ممثلة عن الحياة الإنسانية، يمثلها أشخاص يقلدون العصر الذى جرت فيه، فى لغته، وملابسه، وظروفه المحيطة به، والدراما تنقسم إلى 1- الكوميديا. 2- التراجيديا. 3- التراجوكوميديا.
أما التراجيديا فمعناها حرفياً: أغنية التيوس! ذلك لأن Tragos معناها تيس Goat، Aoide معناها أغنية، وسميت كذلك لأن المنشدين للإله ديونزيس اليونانى، كانوا يلبسون جلد التيس أثناء الغناء.
تُرى ما الفرق بين الدراما المصرية، الدراما اليونانية؟ يحدثنا سليم حسن فى كتابه: الأدب المصرى القديم.. جزء 8، أن الدراما المصرية أقدم بآلاف السنين، بل وأنضج بكثير حتى إنها تكاد تقارب دراما العصر الحديث! أيضاً نجد انتصار الخير على الشر فى الدراما المصرية، بينما نجد القدر يلعب دوراً مهماً فى الدراما اليونانية.
كذلك المسرح متنقل فى مصر القديمة «شعبياً مثلاً»، وثابت فى المسرحيات اليونانية، وبالتالى فالخلفية «المناظر» طبيعية فى الدراما المصرية، ولكنها صناعية فى الدراما اليونانية.
أخيراً نجد الحوار يغلب على الغناء فى المسرحيات المصرية، بينما فرق المنشدين «الغناء» يغلب على الحوار فى المسرح اليونانى.
جاء طاليس فى القرن السادس قبل الميلاد إلى مصر، تعلم الفلسفة، وعاد إلى بلدته أيونيا ينقل إليها ما تعلمه عندنا، كما جاء أفلاطون وأقام فى مصر 13 سنة، وذكر فى كتابه القوانين: ما من علم لدينا إلا وقد أخذناه عن مصر، أيضاً سولون.. اعتنق الأمونية، وعلمناه القانون، وترك لنا كلماته التى تقول: أخذنى أحد الكهنة المصريين وأرانى البيت الذى كان يسكنه أفلاطون، وقال لى بعد أن رَبَتَ «طبطب» على كتفى: أنتم أيها اليونانيون أطفال بالنسبة لنا!
كتب الدكتور طه حسين فى كتابه: مستقبل الثقافة فى مصر: اليونانيون يعرفون أنهم تلاميذ للمصريين فى حضارتهم القديمة، وأخيراً الكتاب الرائع أثينا السوداء للمفكر الأمريكى: مارتن بارنال: حضارة اليونان كلها.. بل نصف أبجديتها من مصر! حقاً مصر أستاذة اليونان فى علومها وفنونها المختلفة حتى الفن المسرحى!