إذا كنت أنت قد تابعت الإعلام أمس الأول الثلاثاء، وخصوصاً الحكومى منه، فسوف تلاحظ بسهولة، أن هناك نغمة خطرة راحت تسود فيه، ولا تبشر بأى خير!
النغمة الخطرة، التى سادت إعلام الدولة، فى اليوم التالى مباشرة لانتهاء المرحلة الأولى من الانتخابات، هى أن عدم حضور الناخبين فى هذه المرحلة، على نحو ما يجب، لا مشكلة فيه، ولا يحزنون، لأن عدم حضور الناخب، ظاهرة عالمية، ولذلك، فإن ما جرى خلال يومى الانتخابات، شىء عادى، وطبيعى، ولا يبعث على أى قلق!
هذا كلام سمعته بأذنى، من أكثر من نافذة إعلامية حكومية، والغريب، أن الذين قالوا به، وراحوا يروجون له، هم أنفسهم الذين كانوا يصرخون، خلال يومى الانتخابات، وكانوا يذهبون فى محاولات دفع الناخب للحضور أمام اللجان، كل مذهب، وكان بعضهم يكاد يشتم الناخب بالأب والأم!
هم أنفسهم، الذين لما انكشف الواقع الانتخابى القبيح أمامهم، عارياً على حقيقته، راحوا يبررونه، بدلاً من محاولة بذل أى جهد، فى اتجاه فهم ما جرى، واستيعابه، وصولاً إلى تشخيصه على النحو الصحيح!
لا.. لم يكلف أحد خاطره فى استيعاب أسباب غياب الناخبين، وكان الحل الأسهل، هو القول بأن الناخبين فى العالم كله يغيبون، وبما أننا جزء من العالم، فليست هناك مشكلة!.. وكأننا لا نكون جزءاً من العالم، من حولنا، إلا فى الخيبات، وعند سوء الحال!
لا.. لا تريحوا رؤوسكم، بالبحث عن الحل السهل، وانظروا فى المرآة جيداً، لتروا أن هناك مشكلة كبيرة للغاية، وأن الشخص الذى لا يراها فى مرآته، إنما هو شخص لا يرى!
صارحوا أنفسكم، وصارحوا الناس، بأننا أمام مشكلة ضخمة، وأن الطريق الصحيح إلى مواجهتها، بجد، يبدأ من عند تشخيصها على حقيقتها، وليس بالهروب منها، أو تبريرها، أو محاولة إيهام المصريين، بأنه لا مشكلة، وأن ما عاشته اللجان، بامتداد يومين، من وضع مخجل، إنما هو موجود فى العالم كله.. إن كلاماً كهذا، لا يوجد وصف حقيقى له، إلا انعدام الإحساس بالمسؤولية، إزاء ما جرى!
عودوا، مثلاً، إلى الصفحة السادسة من «المصرى اليوم» صباح أمس، لتروا بأعينكم، الصورة المنشورة، لإحدى بطاقات الانتخاب، وماذا بالضبط كتب الناخب فيها، بيده، أمام قائمة الجنزورى.. عودوا لتروا، كيف يمكن للمواطن، أن يسجل واقع الحال، بصدق، وفى كلمتين كتبهما بيده، لا ثالث لهما!.. عودوا واقرأوا، فالناخب الذى كتب الكلمتين إياهما، لا يعرفكم، ولا تعرفونه، ولكنه لم يقاطع، بل ذهب، ثم كتب بيده، حقيقة الشعور المترسخ فى داخله، عن قائمة الجنزورى، الذى أدعوه، كذلك، ليقرأ ما كتبه الناخب المجهول.
إننى لست ضد رئيس وزرائنا الأسبق فى الإطلاق، كما يعرف هو تماماً، فلقد انتصرت له من قبل مراراً، ولكنى ضد قبوله إهدار تاريخه كله بيديه، فى عمل هو أيضاً أول من يعرف بماذا يتهامس الناس حوله.
ما أقسى العبارة التى كتبها الناخب!