عزيزى نيوتن
تابعت باهتمام مقال الأستاذ جمال طه عن «استراتيجية الغاز بين الدبلوماسية والردع» فى جريدة المصرى اليوم الغراء يوم ٢٠١٥/١٠/١٥. والحقيقة أننى أعجبت بالمنهجية فى تحليل الأمور، ولكن هالنى السقطات الكثيرة فى المعطيات والإسقاطات التى استند إليها الكاتب للوصول إلى الاستراتيجية المشار إليها. كما استخدم فى هذا التحليل معلومات مغلوطة وملتوية، طالما جاءنا بها مغترب مصرى من الخارج لا ناقة له ولا جمل فى صناعة البترول، وآخرون معه يعملون سوياً لبلبلة الفكر المصرى لصالح دولة معادية وإدخال أفكار لا علاقة لها بالواقع كما يعلمه الخبراء. وألخص منها ما يلى:
- جاء أن هيئة المساحة الجيولوجية الأمريكية أعلنت، فى ٢٠١٠، عن وجود احتياطى غاز يقدر بـ١٢٠-٢٢٠ تريليون قدم مكعب، بعد أن اكتشفت إسرائيل حقل تمار المقابل لمدينة صور اللبنانية، الشىء الذى يحمل فى طياته أن هناك تنسيقاً بين أمريكا وإسرائيل لسرقة غاز العرب وهذا غير صحيح، لأنه ليس لأحد أن يكتشف احتياطى إلا بعد الحفر، وما جاءت به هيئة المساحة الجيولوجية هو إتيان رقمى للموارد resources الغازية المحتمل اكتشافها وهو نتيجة لدراسة روتينية تقديرية تقوم بها الدول. كما أن حقل تمار يقع فى المياه الاقتصادية الخالصة الإسرائيلية دون أدنى شك.
- إن «رويال دتش شل»، التى منحتها مصر حق التنقيب بقطاع نميد منذ ١٩٩٩، اكتشفت بئرين عام ٢٠٠٤ ثم أعلنت توقفها فى أعقاب الثورة المصرية ٢٠١٠، رغم اكتشاف إسرائيل حقلى ليفياثان ٢٠١٠، ثم شمشون ٢٠١٢، واكتشاف قبرص لـ«أفروديت» ٢٠١١ وأوائل عام ٢٠١٤ انسحبت «شل» تماماً بضغوط دولية، بعد أن توفر لها تفاصيل احتياطيات الغاز الضخمة التى تخص مصر بالمنطقة.
بينما شركة شل تنازلت عن منطقة نميد بعد أن أنهت التزامها وأنفقت ٦٢٠ مليون دولار عام ٢٠١٠، بعد فشلها فى اكتشاف احتياطى تجارى للغاز. وللمتخصص، ما جاء عاليه لا منطق فيه ولا تسلسل، حيث إن شركة شل تعلم فى هذا التخصص أكثر من كل الدول بمؤسساتها مثل هيئة المساحة الجيولوجية مجتمعة ولا يمكن أن تخضع لضغوط دولية لأنها شركة عامة فى البورصة ودخلها يبلغ أكثر من ضعف الناتج المحلى الإجمالى لمصر ولا يمكن لأى سبب فى الوجود أن تكون على علم بوجود كشف للغاز فى منطقتها وتتركه لشركة منافسة إيطالية مثل إينى لتكتشفه. هذا شىء مثير للغثيان ولا يصدقه أى عاقل.
- كما جاء أن مصر اتفقت مع قبرص لإعادة ترسيم الحدود البحرية وهذا لم يحدث ولن يحدث لأنه متفق عليه وفق اتفاقية دولية.
- وأيضا ذكر أن مصر أجلت الإعلان عن اكتشافاتها من الغاز لأكثر من عام حتى ترتب أوضاعها، بما يتناسب والمخاطر المحيطة الشىء الذى لم يحدث ولا يملك أحد على عمله لأن المعلومات متاحة لدى الجميع والشركات التى تعمل على هذا المستوى كلها شركات عامة فى البورصات العالمية وأى إخفاء للمعلومات يضعها فى مسؤولية لا تحمد عقباها أمام حاملى الأسهم.
فى النهاية، إن كل ما جاء فى هذا المقال كأدلة لاستنتاج هذه الاستراتيجية ما هو إلا محاكاة لفكرة نظرية المؤامرة بلى عنق الحقيقة ودس معلومات مغلوطة عن طريق مغرضين يعملون لصالح دولة فى المنطقة وضد مصالح مصر (وهذا موضوع آخر يطول شرحه) وللأسف أخذ به هذا المحلل المحترم وجاءنا بمقال تحليلى جميل، ولكنه أقرب إلى نظرية مؤامرة كبرى بأدلة ليس لها أى أساس وإنما من صنع مخططين لبلبلة الفكر المصرى لغرض فى نفس يعقوب.
جيولوجى صلاح حافظ