x

عبد الناصر سلامة الحال من بعضه عبد الناصر سلامة السبت 17-10-2015 21:44


أعتقد من خلال حالة اللامبالاة شعبياً مع الانتخابات البرلمانية، ومن خلال نسبة الإقبال المتوقعة، بدا واضحاً أننا أمام تجربة حزبية مزيفة وانتهازية في نفس الوقت، وما يثير الدهشة فيها، هو أن البعض قد يرى أنهم أفضل من البعض الآخر، أو أن هذا الحزب أفضل من ذاك، أو أن هذه الأيديولوجية أكثر رواجاً من الأخرى، حتى الآن لا يعترفون بأن الحال من بعضه، لأن الزيف واحد وإن تعددت أشكاله، على مدى خمسة عقود.

الدليل على ذلك هو أن حزب الحرية والعدالة، على سبيل المثال، وعلى مدى عام كامل أو أكثر في السلطة، شبه منفرد، لم يستدع الخطاب الإسلامى بصدق في أي مناسبة أو أي إجراء، ولنا أن نُفَرِّق هنا بين الشيوخ والشباب، وأذكر في هذا الإطار في بداية حكم الرئيس محمد مرسى، حينما تجمّع شباب الجماعة أمام قصر الاتحادية مرددين هتافا واحدا وهو: «الشعب يريد شرع الله، تهرّب الرئيس مرسى حينذاك بحديث عن الحق والباطل والعدالة الاجتماعية، إلى غير ذلك من عبارات رنانة أكدت في النهاية أن هذا الشباب يعيش في واد، وقيادات الجماعة في واد آخر».

لنأخذ حزب النور كمثال آخر، من خلال مواقفه وقت تحالفه مع الجماعة، ومواقفه الآن، وكأن هناك أحكاماً شرعية قد تبدلت بوحى من السماء خلال العامين السابقين، سواء فيما يتعلق بموقف الحزب من الأقباط، أو من السلام الوطنى، أو من الحداد، أو من المرأة، أو حتى من أصول الدين، إلى غير ذلك من أمور كانوا يتشددون فيها لدرجة كبيرة، حتى في الخروج على الحاكم، وها هم الآن يرون الحياة وردية، ولا وجود لكل تلك المواقف السابقة.

إذا توقفنا أمام اليسار في مصر، لن نجد الأوضاع أفضل حالًا، فهم كحزب النور تماما لم ينزلوا إلى الشارع خلال أحداث ٢٥ يناير، إلا بعد أن اطمأنوا إلى أن التغيير قادم لا محالة، ثم ركبوا الموجة كعادتهم دائماً، إلى أن تقلدوا مناصب رفيعة، وبصفة خاصة بعد أن ربطوا بين القيادة السياسية، وبين جمال عبدالناصر بطريقة أو بأخرى، جاءت على هوى الرجل الذي أخذ يتبرك بهم يوما بعد يوم، فسيطروا على المجلس الأعلى للصحافة، وقيادة المؤسسات الصحفية، ومجلس حقوق الإنسان، وغير ذلك من المجالات، رغم إمكانياتهم الضعيفة وتجاربهم الفاشلة على امتداد تاريخ طويل من الحنجورية.

الليبراليون لم يكونوا أفضل حالا خلال السنوات القليلة الماضية، طالتهم اتهامات لا حصر لها بالتمويل الأجنبى، الخلافات الداخلية ضربت بعض أحزابهم في مقتل، والأزمات الأخلاقية لاحقت البعض الآخر، وهاهم يتشرذمون في كل الاتجاهات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ثم جاءت الانتخابات البرلمانية لتؤكد ذلك.

ما أود تأكيده هو أن التجربة الحزبية في بلادنا ما هي إلا وهم كبير، تعتمد على الزيف في الطرح، لا وجود لها في الشارع، ولا مكان لها بين العامة، ولا أصل لها في المحافظات، مما جعل السيادة في النهاية للغة المال من جهة، واستمرار هيمنة أعضاء الحزب الوطنى السابق من جهة أخرى، هذه هي الحقيقة التي كنا ندركها سلفاً، وهى أن أعضاء الحزب الوطنى أصبحوا يتنافسون فيما بينهم على هذه الانتخابات، إلا ما ندر، والأكثر من ذلك أنهم كانوا يتدللون على العروض المقدمة إليهم من الأحزاب المختلفة، وقد تلقى العديد منهم نفقات الانتخابات مقدما، في الوقت الذي كانوا في السابق يساهمون ماديا للحزب ببذخ شديد.

منذ أكثر من عامين كنت قد توقفت في رصد عدد الأحزاب القائمة بالفعل على الورق، عند رقم ٩٠ حزبا، بالتأكيد ارتفع عددها الآن، هي بالتأكيد مهزلة، وهى في نفس الوقت ملهاة، آن لها أن تتوقف إن أردنا بالفعل إقامة تجربة ديمقراطية وحزبية حقيقية، وآن لها أن تترشد إن كنا نريد بالفعل تنشئة مواطن فاعل يحترم ما تصدره الدولة من قرارات وقوانين في المجالات المختلفة، وفى الوقت نفسه آن لنا أن نعمل على تربية كوادر سياسية وحزبية حقيقية بدلا من الاستمرار في حالة الزيف العام هذه، لمجرد أنهم مطيعون، يجيدون التصفيق والتهليل، لما يستحق وما لا يستحق.

وها قد تم تفصيل قانون الانتخابات على أهواء المصفقين، على اعتبار أن أحدا منهم لم يكن يمكن أن يحقق أي نتيجة إيجابية في أي انتخابات إذا جرت بشكل فردى كامل، حيث سوء السمعة يسبقه إلى حيث يتوجه، ومن هنا ضمت القوائم كل هؤلاء، ولذلك فقد كان من الطبيعى أن نجد الآن حملة شعبية قوية تدعو إلى المقاطعة، سواء على مواقع التواصل الاجتماعى، أو في مناقشات الشارع، وقد بدأت تؤتى أكلها بالفعل.

هي إذن الانتهازية الحزبية التي باتت سمة المشهد السياسى، والتى أراها سبباً رئيسياً في تردى الأوضاع بصفة عامة، مما فاقم من معاناة المواطن على كل الأصعدة.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية