x

يوسف وردني هل تحتاج مصر سياسة وطنية لمكافحة التطرف؟ يوسف وردني الخميس 15-10-2015 00:01


تعددت في فترة ما بعد 30 يونيو 2013 جهود الدولة في مجال مكافحة التطرف، وشمل ذلك أولوية القضية في خطاب الرئيس السيسي وفي توجهات السياسة الخارجية المصرية، وتكثيف جهود المكافحة الدينية للأفكار المتطرفة سواء فيما يتعلق باستعادة الدولة سيطرتها على المجال الديني العام والذي سُلب منها لفترات طويلة أو إنشاء مراصد متخصصة لرصد الفتاوى التكفيرية وتفنيدها سواء في دار الإفتاء أو مؤسسة الأزهر، وإصلاح المناهج التعليمية وبدء استحداث خطة للوقاية الفكرية للنشء والشباب، وحظر سفر الشباب إلى تركيا ومنها إلى سوريا والعراق للانضمام لتنظيم داعش. ولكن تم ذلك في غيبة سياسة وطنية جامعة لمحاربة التطرف تنتظم في إطارها كافة جهود الدولة وتضمن استدامتها وسلامة تنفيذها.

تنبع أهمية تكامل جهود مكافحة التطرف من أنه أصبح خطر كامن ومهدد رئيسي للأمن القومي المصري في ظل سهولة تحوله إلى أفعال عنيفة وممارسات إرهابية، وفي تمدده عبر الطبقات وعدم اقتصاره على المنتمين للأسر الفقيرة كما كان الوضع في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وعدم تركزه في المنتمين لتيارات الإسلام السياسي الذين يرون أنهم حرموا من فرصهم السياسية بعد سقوط نظام حكم الإخوان بل اكتسابه بالتدريج أرضاً جديدة مسكوتاً عنها في باقي التيارات السياسية والاجتماعية. ويعزز ذلك الطابع العابر للحدود لشبكات تجنيد المتطرفين والتي نجحت في جذب ما لا يقل عن 300 مصري للانضمام لتنظيم داعش وفق إحصائيات المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي بجامعة لندن في 21 يناير 2015.

وتنطلق الاستراتيجية المقترحة من أهمية بناء كتلة وطنية لمكافحة التطرف لا تقتصر على جهود الحكومة وإنما تدمج في إطارها أنشطة منظمات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص وأجهزة الإعلام ومراكز الفكر، ومن أهمية عدم التعامل مع الظاهرة على أنها سياسة فرعية ترتبط بجهود الدولة في مكافحة الإرهاب على النحو الذي حدث في العقد الأخير من القرن الماضي، ومن ضرورة تحصين ووقاية ضحايا التطرف والكتل السائلة في المجتمع من الانجذاب وراء أفكار الجماعات المتطرفة في الوقت الذي يتم فيه مراجعة أفكار هذه الجماعات بهدف تغيير فكرها وإعادة دمجها في المجتمع. وكل ذلك في إطار سياسة تنموية شاملة تقدم البديل الموضوعي لشبكة الخدمات الاجتماعية التي أقامتها التنظيمات المتطرفة للبسطاء في القرى والمناطق المهمشة، فالتطرف يعد منتج جانبي لفشل السياسات التنموية ولا يمكن مكافحته بدون توزيع عادل لثمار النمو الاقتصادي على الجميع.

يتطب صياغة هذه الإستراتيجية أولاً وجود إطار مؤسسي يعمل على صياغتها وتنفيذها وتقييمها بدلاً من تفرق دمها بين أكثر من وزارة وجهة سواء من خلال تعيين الرئيس لمنسق وطني لمكافحة التطرف والإرهاب أو إسناد هذه المهمة إلى لجنة السياسات الاجتماعية المنشأة حديثاً في مجلس الوزراء.

وتستلزم ثانياً العمل الدؤوب على اكساب خطاب المؤسسات الدينية الرسمية مثل الأزهر والأوقاف طابعاً جذاباً للشباب الذي لا يذهب بعضه للمساجد، وهو ما أفصح عنه محدودية ارتيادهم لمراصد محاربة الفتاوي التكفيرية وفق تقديرات موقع اليكسا العالمي عن عدد زيارات هذه المواقع. ويتطلب ذلك عمل هذه المؤسسات بعقول شبابية تستخدم لغة الشباب ونفس وسائل الاتصال والمعرفة التي يستخدمونها بدلاً من نمطية الفكر وجمود أسلوب العمل السائد على عملها حالياً.

ويرتبط بها ثالثاً التوجه نحو الاستخدام الفعال لساحة الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في محاربة الفكر المتطرف، وعدم ترك مجال العمل الالكتروني خصباً للتنظيمات المتطرفة التي تتخذ منه «جامعات» حاضنة يمكن من خلالها نشر أفكارها وتجنيد المزيد من الأتباع. ولا مناص عن التفكير المبدع والخلاق في تطوير منصات الكترونية لمحاربة هذه الأفكار، واستخدام المنشقين عن الجماعات المتطرفة كمصدر لتوعية الشباب وتعريفهم بخطورة دعاوى العنف والتكفير والرد على أسئلتهم خاصة ما يرتبط منها ببعد فقهي أو شرعي على نحو يماثل وضعية موقع عبدالله اكس في المملكة المتحدة.

ولا يمكن أن يتم ذلك بدون تعزيز الوعى بالتيارات والجماعات المتطرفة وأساليب عملها ورسم خريطة جغرافية عن أماكن تركزها وانتشارها سواء جغرافياً أو على الانترنت، وكذلك بدون اللجوء إلى إجراء دراسات ميدانية تحدد الأبعاد المختلفة للتطرف واستراتيجيات المكافحة كما يقترحها المتأثرون بها، وفي غيبة الإطار القانوني الذي يجرم الأفكار المتطرفة بعد تحديد ماهيتها والذي يمكن بموجبه حجب المواقع المتطرفة والتكفيرية التي بلغ عددها وفقاً لتقديرات مرصد الفتاوي التكفيرية بدار الإفتاء 59 وموقعاً.

ومن الضروري لنجاح هذه الجهود أن تستحضر مصر خبرتها التاريخية في مجال المراجعات، والتي نتج عنها تخلي الجماعة الإسلامية في تسعينيات القرن الماضي عن العنف وأفكار الجهاد، وهى خبرة من المهم اعادة استرجاعها والبناء عليها وخاصة في مجال طباعة كتب المراجعات على نطاق أوسع، وتبسيطها على نطاق واسع حتى يتمكن النشء والشباب من استيعابها وهضمها. وكذلك أن تقدم مصر نفسها كمنصة انطلاق لمحاربة الأفكار المتطرفة في الإقليم والعالم من خلال تنشيط دور الأزهر في تقديم الفهم الإسلامي الوسطي المعتدل إلى كل من يحتاجه خاصة في الدول الغربية التي تكتوي حالياً بنار المقاتلين الأجانب والعائدون من داعش وعدم معرفة التوجهات الفكرية والإيديولوجية للاجئين الأجانب اليها.

  • خبير في سياسات الشباب – باحث دكتوراه بجامعة القاهرة

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية