يبحث الكاتب الصحفي عبدالباري عطوان، الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، في كتابه «الدولة الإسلامية.. الجذور والتوّحش والمستقبل»، الصادر عن دار الساقي ببيروت عام 2015، في جذور تنظيم داعش، ومرتكزاته الإيدولوجية، وطبيعة القوى المكونة له، وأسرار صعوده المفاجئ في المنطقة، ومصادر قوته وضعفه، مستشهدًا في مقدمته بكلمات وزير الدفاع الأمريكي السابق، تشاك هاجل: «الدولة الإسلامية أكبر تهديد إرهابي يواجه الولايات المتحدة».
يؤكد «عطوان» في أكثر من موضع بكتابه، أن «داعش» ليس نسخة من «القاعدة»، وإنما يُشكل نموذجًا مختلفًا من حيث الإيدولوجية والنشأة والأولويات، فالتنظيم الذي يقودة أيمن الظواهري، حصر أولوياته في محاربة الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، فيما استغل التنظيم الذي يقوده أبوبكر البغدادي، الأوضاع التي تعاني منها المنطقة، وضعف الحكومات المركزية لإقامة دولة وفق مقاساته الإيديولوجية.
يُحمّل بعض السياسيين في العالم العربي أمريكا مسؤولية ظهور «داعش»، إلا أن «عطوان» يُشير إلى توّرط الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، في ظهور داعش «ربما لا نبالغ إذ قلنا إن صدام حسين هو الذي بدأ في التمهيد العملي والعقائدي واللوجستي للدولة الإسلامية، فحينما أدرك أن أمريكا تريد الإطاحة به، فرض حالة حصار اقتصادي تجويعي إذلالي على الشعب العراقي، فقرر التحوّل إلى الله، وتبني الهوية الإسلامية والجهاد الإسلامي لمواجهة الاحتلال المتوقع».
وألقى مؤسس صحيفة «القدس العربي»، الضوء على مصادر قوة «داعش»، وقال إن التنظيم «أغني جماعة إرهابية في العالم»، إذ كوّن ثروة بسرعة غير مسبوقة، من خلال سيطرته على حقول النفط في العراق، وتجارة السلاح، ونهب البنوك، وأموال الفدية التي يحصل عليها مقابل إطلاق سراح رهائن يحتجزهم.
ويرصد الكاتب إمبراطورية التنظيم الإعلامية، وتمدده في العالم الإسلامي، وسر اندفاع الشباب للانضمام إلى صفوفه، فإعلام «داعش» أظهر كفاءة وقدرة وحداثة غير مسبوقة، وتفوّق على امبراطوريات إعلامية عربية وغربية، ويستخدم التنظيم تقنيات حديثة لا تقل أهمية عن الدبابات والصواريخ، بل وتفوقها، لأنها تحقق نجاحات في الحرب الأهم «حرب العقول»، فمن خلال الوسائل الإلكترونية، أجبر التنظيم وسائل الإعلام العالمية والمحلية على حذف «داعش»، واستخدام مصطلح «الدولة الإسلامية»، بجانب نجاحه في تجنيد الشباب العربي والغربي ضمن صفوفه.
ويحاول «عطوان»، التنبؤ بمستقبل «الدولة الإسلامية»، وبمدى قدرتها على البقاء، وتحقيق طموحاتها في إقامة دولة الخلافة الإسلامية، ومدى شرعية هذه الطوحات وإمكانية تحقيقها على أرض الواقع، وانتهى من خلال تحليله للأوضاع في المنطقة التي تعاني من الصراع «السُني – الشيعي»، وضعف الحكومات، وإبعاد الشباب عن المشاركة في الحياة السياسية، إلى أن هزيمة «داعش» من خلال الجيوش النظامية تبدو ضعيفة، بل محدودة جدًا، فالتنظيم أصبح قادرًا ومتأقلمًا مع الضربات الجوية التي يشنها التحالف الدولي بقيادة واشنطن، مستشهدًا بصمود حركة «طالبان» في أفغانستان لأكثر من 13 عامًا أمام مثل هذه الضربات، بجانب أن التنظيم يحظى بدعم جماعات إسلامية مختلفة في دول العالم المختلفة، كما أن الهجوم عليه من قبل الولايات المتحدة دفع التنظيمات المًعادية له مثل «القاعدة» إلى تأييده.
وفي جزء خاص عن تركيا التي دعمت «داعش» في بداية ظهروه، يرى «عطوان»، أن أنقرة ستكون الخاسر الأكبر في السنوات المقبلة، سواء سواء اكتفت بالضربات الجوية أو التدخل البري، لأن الحرب ستؤثر على نسيجها الاجتماعي والطائفي المعُقد والهشّ، وعلاقاتها الدولية، وعلى عضويتها في حلف الناتو، وانضمامها للاتحاد الأوروبي، خاصة بعد فشل رجب طيب أردوغان في الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، وتحويل «الإخوان المسلمين» إلى القوة الجديدة التي ستحكم العالم الإسلامي.
وختم «عطوان» كتابه بتحذير من كارثة «إن سيناريو الرعب الحقيقي سيكون في امتلاك تنظيم داعش أسلحة كيماوية، لأنه لن يتردد في إطلاقها على خصومه، الأسلحة الكيماوية موجودة أو بعض بقاياها في سوريا والعراق ليبيا».