أشار الزميل الكبير سليمان جودة فى عموده «خط أحمر»، عدد الخميس الماضى، إلى أن الأستاذ السيد ياسين حدثه فى غضب قائلاً إن إجمالى ما حصل عليه طه حسين والعقاد وأحمد أمين طوال حياتهم لم يتجاوز مليون جنيه، وأن عميد الأدب العربى طه حسين مات مأزوماً على المستوى المالى، ولم يكن فى آخر أيامه يجد ما ينفقه، فى الوقت الذى يحصل فيه بعض مذيعى التليفزيون الآن على عشرة ملايين جنيه بسبب الإعلانات، وأن الإعلان أصبح يحكم الإعلام، ويؤيد جودة الأستاذ، وينهى مقاله بقوله «الإعلام فى صورته الحالية مريض جداً، وإما أن نعالجه، أو يموت».
لا أدرى من أين جاء الأستاذ ياسين بمعلومة أن طه حسين مات مأزوماً من الناحية المالية، فالمعلومة غير صحيحة وغير معقولة، ولا أدرى كيف فات عليه أن مليون جنيه فى النصف الأول من القرن العشرين الذى عمل فيه طه حسين والعقاد وأحمد أمين - يساوى أكثر من خمسين مليون جنيه اليوم، ففى ذلك الزمان كان من الممكن للكاتب والمفكر أن يعيش حياة الأثرياء من الربح المالى لكتبه ومحاضراته ومقالاته، وهكذا عاشوا فعلاً، حيث كانت دور نشر الكتب والصحف تدفع لهم حقوقهم كاملة، وليس مثل دور النشر التى يدفع لها الكتاب الآن!
ثم ما هو الغريب فى أن يتحكم الإعلان فى الإعلام: متى لم يكن الإعلان هو المتحكم فى الإعلام منذ أن عرفت الدنيا الصحافة والراديو والتليفزيون وأخيراً الفضائيات، وما معنى التحكم هنا، أذكر أن إحدى شركات الإنتاج السينمائى هددت رئيس تحرير «الجمهورية» فى السبعينيات، حيث كنت أعمل بقطاع الإعلانات، إذا جاء رأيى سلبياً فى فيلم جديد من أفلامها، وكان رئيس التحرير الشاعر والمثقف الوطنى النبيل مصطفى بهجت بدوى، رحمه الله، فقال للمنتج أغلق التليفون بدلاً من أن أغلقه فى وجهك، وأروى هذه الواقعة للتدليل على أن تحكم الإعلان من عدمه يتوقف على سياسة الجريدة.
المعلن يختار الوسيط الأكثر جماهيرية، وتلك بدهية، ومن المفترض أن الأكثر جماهيرية أكثر مصداقية، وإلا كانت المشكلة فى الوعى السائد، والمصداقية تتحقق بالتراكم، ولا تباع جاهزة فى المحال، وأجور نجوم الفضائيات، مثل أجور نجوم التمثيل فى السينما والتليلفزيون، ترتبط بمدى النجاح الجماهيرى، ولا أحد يحصل على أكثر من حقه إلا إذا كانت هناك أسباب خفية، والاستثناء لا يغير من صحة القاعدة.
الإعلام مريض ويحتاج للعلاج: أى علاج، هل هو التوجيه الحكومى، وأين الديمقراطية فى هذه الحالة، الإعلام يموت: كيف يموت، وإنما موته فى غياب الحرية، ليربح من يربح ولو مليون جنيه فى الدقيقة، المهم أن يدفع الضرائب، وأعطنى نقابة قوية للمهن الصحفية ونقابة قوية للمهن الإذاعية، أعطك إعلاماً عظيماً يسهم فى بناء الوطن والمواطن.