x

عبد الناصر سلامة الإرهاب الرسمى (3) عبد الناصر سلامة الثلاثاء 06-10-2015 21:31


إذا جاز لنا أن نطلق على الجماعات المسلحة فى أى مكان ما أنها تنظيمات غير شرعية، أو غير رسمية، أو إرهابية، فهناك من الدول الرسمية المعترف بها فى المحافل الدولية مَن تقوم الآن بنفس أفعال وممارسات هذه التنظيمات، وهى لم تجد فى ذلك تعريفا دوليا لممارساتها يتناسب مع حقيقة ما تفعل إلا ما قد يصدر عن دول مناوئة، مثلما أطلقت الولايات المتحدة من قبل مسمى «محور الشر» على كل من إيران والعراق وكوريا الشمالية، على الرغم من أن ممارسات الولايات المتحدة فى ذلك التوقيت كانت هى الشر نفسه، حيث العدوان على العراق، وغزو أفغانستان، والتهديد المستمر لإيران، ودعم المحتل الإسرائيلى، إلى غير ذلك من تاريخ ملطخ بالدماء والعار فى آن واحد، بدءا من فيتنام، ومرورا باليابان، حتى العدوان على الصومال وعلى الشقيقة ليبيا، وقبل كل ذلك مجازر الداخل بشأن الهنود الحمر، والعبودية بشأن الأفارقة وغير الأفارقة.

المهم أن التهديدات بدق طبول الحرب من بعض العواصم الآن والتدخل فى الشأن الداخلى للدول الأخرى أصبحت رسمية وعلنية، ومن خلال المحافل الدولية، على الرئيس فلان أن يرحل، وعلى الدولة المعنية أن تمتثل، وعلى هذا الشعب أن يرعوى، وهذه الأمة أن ترتدع، إلى غير ذلك من أساليب حوار، وطرق إدارة دول، نكتشف أنها أصبحت أمرا طبيعياً حتى من على منبر المنظمة الدولية الأولى فى العالم، وهى الأمم المتحدة.

فقد تحدثت المملكة العربية السعودية علنا، مطالبةً الرئيس السورى بالرحيل، وإلا الحرب، وجاء الرد السورى أيضا من على نفس المنبر بنفس الأسلوب، مهددا ومتوعدا فى حالة الإقدام على تنفيذ مثل ذلك التهديد، بما يعنى أن الدول الأعضاء أصبحت تُمارس الإرهاب بطرق رسمية، ليس ذلك فقط، بل إن هذه المنظمة الدولية التى أُنشئت من أجل حفظ الأمن والسلام الدوليين، أصبحت مسرحا ممهدا لذلك النوع من الإرهاب، الذى لم يقابَل بأى استنكار دبلوماسى أو حتى أممى.

المراكب بأعلام الدول فى عرض البحار تحمل الأسلحة للإرهابيين فى كل مكان، وإلا من أين كل هذا السلاح وكل تلك الذخيرة، الإنفاق على المسلحين وعلى أسرهم، وعلى التسليح وعلى العمليات بأرقام باهظة، من أين كل ذلك؟! التدريب على استخدام وحمل السلاح من خلال متخصصين وعسكريين سابقين ولاحقين، زيارات سرية من مسؤولين رسميين لمناطق الاضطراب، وزيارات سرية من قادة الإرهاب لعواصم التمويل والدعم أصبح يُكشف النقاب عنها بين الحين والآخر، وثائق سرية وغير سرية يُزاح الستار عنها مع الأزمات وتبادل الأدوار والتحالفات.

موقف المجتمع الدولى هنا واضح، ولم يعد يحتمل التأويل، أو اللف والدوران، وهو أن أخلاقيات السياسة كما الاقتصاد كما التحالفات، كلها خارج الإطار الأخلاقى، فلا أرواح البشر ولا دماؤهم ولا ممتلكاتهم، ولا حتى خراب العالم أصبح يستنفر الضمائر، ما دام الأمر يتعلق بتحقيق مكاسب مادية من صناعة وتجارة السلاح لدى هؤلاء الكبار، أو تحقيق انتصارات وهمية لأولئك الطائفيين والعقائديين الصغار، ويستمر سقوط القتلى، ويستمر سفك الدماء، ويستمر الدمار.

أذكر فى عام 2013 أجريت حوارا مع رئيس الوزراء العراقى آنذاك السيد نورى المالكى، وقال نصا: «نعم نحن ندعم الرئيس السورى بشار الأسد فى مواجهة التنظيمات المسلحة هناك، لأن هذه التنظيمات لو نجحت فى مخططها فسوف يتم تقسيم العراق فورا إلى دولة سنية ودولة شيعية على الأقل، وحين ذلك لن نقف أمام ذلك التقسيم، لأن الأمر سوف يكون صعبا، إلا أن الدول التى ساهمت فى ذلك- (فى إشارة إلى المملكة العربية السعودية)- سوف تدفع الثمن باهظا بنفس الأسلوب، بمعنى أننا سوف ندعم محاولات الانفصال هناك، وسوف ندعم القلاقل والتوترات الجارية لديهم».

إذن، العملية أصبحت فعلا ورد فعل، فى ممارسات هى فى حقيقتها إرهاب من الدرجة الأولى، المخططات معلنة، ولم تعد شماعة مقاومة الإرهاب والتشدد والتطرف مقبولة لدى الشعوب، أو جائزة الطرح بأى حال فى هذه المرحلة، فى ضوء هذه الممارسات الرسمية التى تحتاج فى التعامل معها إلى مواجهات جادة، ومصارحة من دول الاعتدال بكل ما تملك من معلومات، وذلك لأن نيران ذلك التطرف الرسمى سوف تمتد لتلحق الأذى بكل الصامتين، أو المستسلمين لذلك الذى يجرى فى وضح النهار.

ويكفى أن المقدسات والمشاعر الإسلامية فى كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة لم تعد تسلم من تلك المخططات، بل ثبت أنها كانت جزءا أصيلا منها طوال الوقت، وما أحداث موسم الحج هذا العام، وسقوط آلاف الضحايا، إلا مجرد بداية.

وللحديث بقية..

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية