يمتلئ بيته بأجهزة الراديو، فهو ونيسه، يقيّم أصوات المذيعين بخبرة كبيرة، ويتحدث عن سر الصوت الصالح للإذاعة، وأنه لابد من أن تتوافر فى المذيع معايير كثيرة.
هو صالح مهران، الإذاعى الكبير، المتميز بفخامة وقوة وحماسة صوته، فى حديثه لـ«المصرى اليوم»، بمناسبة ذكرى نصر أكتوبر والبيانات العسكرية التى كان يلقيها على ملايين المستمعين وذكرياته داخل استديوهات البرنامج العام، يتذكر تفاصيل يوم العبور داخل مبنى الإذاعة، ويقول «كان يوم صيام وحر وجالى تليفون بدرى قالى فى اجتماع الساعة 10 صباحًا فى مكتب رئيس الإذاعة».
ذهب «مهران» وفى ذهنه أن تفاصيل الاجتماع قد تكون حملا يعلق على كاهلهم، شأنه شأن باقى الأيام منذ وقت النكسة 5 يونيو 1967، ولكنه فوجئ بأن محمد محمود شعبان، رئيس الإذاعة آنذاك، يبلغهم بأن حرب التحرير اليوم الساعة الثانية ظهرًا، ويقول: «تحمسنا وفرحنا جدًا ولكن كنا متشككين».
يقول «مهران» إن «التعليمات كانت واضحة، اجهزوا، اقعدوا فى الإستديو، اقروا البيانات اللى هتجلكوا».
ويضيف أن يوم النصر كان مختلفا عن يوم النكسة فى تعليمات الإذاعة، ففى أكتوبر طُلب مننا الهدوء فى قراءة البيانات وممنوع الصريخ أو المبالغة على عكس ما فعلناه فى 5 يونيو، والاختلاف الثانى فى أن ما سيحدث على الأرض هو الذى سيذاع فى الراديو، عكس يونيو، فبياناته كانت مليئة بالحديث عن سقوط طائرات ودخول القوات، وما إلى ذلك من أخبار، واكتشفنا فى النهاية أنه على عكس ما كانت تأتى به وكالات الأنباء.
يرى «مهران» أن أكتوبر كان وقتًا عظيمًا لأنه مثل دور المذيع الحقيقى، فالمذيع بالنسبة له بشير، يبشر بما لديه من أخبار سارة، لافتا إلى أن زميله عبدالوهاب محمود قرأ أول بيان للقوات المسلحة، والذى جرى تأجيل إذاعته من الثانية ظهرًا إلى الثانية والثلث بالرغم من وجوده فى الإذاعة من الثانية عشرة ظهرًا أى قبل بدء الحرب بساعتين.
ويتابع: «دا كان منطقى عشان مش معقول نعلن عن الحرب لحظة حدوثها، لازم كانت تبدأ الأول».ويضيف أن هناك تعبيرات جديدة طرأت على الإذاعة آنذاك، وكانت بالنسبة لهم «مفرحة» كتعبير «رأس الكوبرى»، ومعناه أن القوات المصرية عبرت القناة وفرضت سيطرتها على الضفة الأخرى، ويشير إلى أن اللفظ ظهر بعد الساعة الخامسة، وغيره مثل «طرد العدو» و«تحرير الدشم» و«أسرى العدو».
وعن أقرب بيان إلى قلبه، يقول «مهران»، «بيان فى اليوم الثالث، على ما أتذكر، عن رفع العلم المصرى على منطقة القنطرة شرق، وهذا كان يعنى أن الجيش فرض سيطرته على الضفة الشرقية».
يذكر «مهران» أنه فى أحد البيانات التى قرأها أن التعليمات بالتزام الهدوء لم تقف أمام حماسة وجهورية صوته وقتها، وبعد أن أنهى القراءة، فوجئ باتصال فى الاستديو من محمد محمود شعبان، يقول له «صلاح جاهين طلبنى وقالى الحق المذيع بتاعك فى الاستديو عامل معركة لوحده».
ويحكى «مهران» عن الروح التى جمعت المذيعين آنذاك والحماس الذى كان يملؤهم، حيث تجمع المذيعون فى مكان واحد لم يذهبوا إلى بيوتهم، فهم كانوا شبه مقيمين فى الإذاعة من 6 إلى 24 أكتوبر وقت صدور قرار بوقف إطلاق النار.
وبعيون تملؤها الدموع، يقول مهران: «وقت أكتوبر لم أبك لأن كل مصرى كان عنده نزعة الانتقام، والمنتقم لا يبكى، إنما الآن حين أتذكر تلك اللحظات أبكى من الفرحة والحماس».