x

لؤي فوزي عزيزي أرسين فينجر لؤي فوزي الأحد 04-10-2015 13:33


تحية طيبة وبعد،

أكتب إليك في ظروف عصيبة، أنت على وشك الإقلاع عن عادة الخروج من دور الـ16 لدوري الأبطال لتخرج من دور المجموعات لأول مرة منذ عشر سنوات، ويفصلك عن مواجهة مانشستر يونايتد في ملعب الإمارات ساعات قليلة، ثالث مباراة كبيرة هذا الموسم بعد الفشل في التغلب على ليفربول في نفس الملعب، ونجاح تشيلسي في الظفر بأكثر من ثُلث نقاطهم منذ بداية الموسم من مباراة ستامفورد بريدج وحدها، صراحة لا أعلق آمالاً كبيرة على مباراة مانشستر، وربما لا يعنيني الموسم بأكمله، ربما فقدت شيئًا من حماسي، لذا لا تعتبر حديثي محاولة للإصطياد في الماء العَكِر، فهو حديث متأخر طال إنتظاره، وهو ضروري للأسف لأن أرسنال مازال أحد أكبر نوادي إنجلترا، ومازال ثالث نواديها تتويجًا، ومازال جيل اللاهزيمة في الأذهان، لعنة أرسنال التي ستظل تلاحقه للأبد.

التاريخ..التاريخ..التاريخ..كم من الجرائم تُرتكب بإسم التاريخ..التاريخ مهم بالطبع ولا إنكار لذلك، أحيانًا هو كل شيء، ولكن دعنا نفرق بين التاريخ والعادة، فكل شيء قابل للنقاش حتى يقوم أحدهم بالخلط المعتاد بين الحقائق الواقعة المسجلة في عقله، ومشاعره التي تكونت أثناء وقوعها، فيصبح اللاعب ذي الستة وثلاثين عامًا لاعبًا كبيرًا لمجرد إنه اعتاد وجوده في الملعب، وذاك المدرب أسطورة حية لأنه هنا منذ زمن، قانون الجماهير الذي يفرض نفسه على الجميع ولا مفر منه، هكذا الحياة، تحني المنطق دائمًا أمام قوة الواقع.

لكني لن أكرر الخطأ المعتاد وأتجاوز عن التاريخ لحساب اللحظة، لن أجتزىء الواقع وأكتفي بالسخرية من فينجر المتخصص في الفشل الذي لم يفز بالدوري منذ عشر سنوات، فرغم أنه الإختيار الأسهل والأكثر إثارة، إلا أن عناوين الصحف الأولى ليست هدفي، الجميع يعلم أن مورينيو هو أسوأ كوابيسك، والجميع يعلم أنه قادر على إخراسك متى شاء مستندًا لعشرة سنوات من الفشل قابلها عقد من النجاح على الجانب الأزرق من المدينة، لكنهم لا يعلمون ما أعلمه، لا يعلمون أنك فضلت البقاء مع أرسنال المتقشف المطالب بتوفير 20 مليون جنيه إسترليني سنويًا لتسديد ديون ملعبه الجديد، بدلاً من أن تقبل عروض يسيل لها لعاب أي مدرب من ريـال مدريد وبرشلونة عقب إنجاز اللاهزيمة، لا يعلمون أنك فضلت الكفاح مع أرسنال، ولا يعلمون أنك ضاعفت من قيمة علامته التجارية ومبيعاته وشعبيته حول العالم رغم الأزمة، وكان بإمكانك قضاء وقتك في الإستلقاء على شواطىء إسبانيا حيث أكبر المشاكل هي إختيار النجم القادم في الصيف.. نعم، قد يكون من السهل الإستهزاء بفينجر الآن، بل وربما يروق هذا للكثيرين ويمنحهم نشوة النَيْل من الذي كان يومًا، ولكن في وقت ما في مطلع الألفية، كان فينجر ينفق 48 مليون جنيه إسترليني فقط لا غير لتكوين جيل اللاهزيمة الذي حصل على بطولتي دوري في ثلاث سنوات، وينفق فيه خصمه البرتغالي المتندر أربعة أضعاف هذا المبلغ تقريبًا للحصول على نفس النتيجة مع تشيلسي، لا يعلمون أن ميزانيتك في العشر سنوات الأخيرة لم تتجاوز 80 مليون جنيه إسترليني، بينما أنفق غريمك اللندني أكثر من ثلاثة أضعاف هذا المبلغ في نفس المدة..أعلم ولا يعلمون، ولكني ليس ذلك كل ما أعلمه.

أعلم كذلك أن الحاضر أهم، وأعلم كذلك أن النادي بات في وضع مستقر منذ سنتين على الأقل، وأعلم عن أزمتك النفسية، نعم عزيزي فينجر أنت مأزوم..أنا لا أذيع سرًا هنا..لم تعد قادرًا على إدارة الأمور كما كنت، لا أتذكر اسم آخر نجم اكتشفته في غياهب الدرجة الثانية الإنجليزية أو الفرنسية أو أي درجة أخرى، لا أتذكر آخر مباراة فاجأت فيها خصمك بتكتيك مبتكر، وبالتأكيد لا أتذكر آخر مرة أشدنا بك..لا تندهش فأنا أعرف عنك أكثر مما تعرف عن نفسك، أعلم أنك لم تعد تقبل الحقائق الجديدة التي تنافي تلك التي اعتدت عليها، صرت عنيدًا كطفل يأبى أن يدرك أنه لم يعد كذلك، لم أطالبك بالتسوق في أكبر أندية أوروبا، ولا إنفاق الملايين كل عام لجلب النجوم فلو أردت هذا ما شجعت أرسنال..عزيزي فينجر، نصف متعة الكرة في رؤيتها تتطور، نصف متعة الإنتماء لنادٍ ما في رؤيته يخرج نجومه بطريقته الخاصة، في مشاهدتهم يكتسبون شخصيته وأسلوب لعبه، في الإنجاز والتقدم والتحسن موسمًا بعد الآخر، بل قُل في الأمل، أما جلب النجوم قد يجعلك المتسوق الأفضل وهذا فقط جزء يسير من كرة القدم التي نعرفها.

عزيزي فينجر، ليس هناك مشجعًا حقيقيًا لأرسنال لا يقدر ما فعلته، خاصة في عشرية الديون السوداء، ولكن هناك جانب آخر لتلك الحقيقة لا تريد سماعه، ولا نريد التفوه به، ولكنها سنة الحياة.

عزيزي فينجر، لقد نضبت...أنت ناضب كبئر منسية جفّت منذ قرون، لن تبهر أطفال اليوم إذا أخرجت العملات من آذانهم، كذلك لن تنطلي حيَلَك التكتيكية على أطفال المدربين..في الواقع، أنت لم تعد تملك حيلاً من الأصل..أرتيتا كوسط مدافع؟ آسف عزيزي فينجر فهو لم يلفت إنتباهي بمركزه الأصلي في إيفرتون من الأساس، نفس الشيء لكازورلا، أعلم أنك مولع بتأخير مراكز اللاعبين كما هم مولعون بذلك في برشلونة، ولكنهم يملكون هذا الترف بينما تملك أنت جيرو في المقدمة، حيلتك الصغيرة بتبديل مركز كازورلا مع رامسي ليست مجدية، شلل كامل في تلك الجبهة يقابله إرهاق للجبهة المقابلة، وكأن مدفع الأرسنال يسير على عجلة مدورة وأخرى مربعة فتميل فوهته جهة مدرجات الإمارات دائمًا..ويلشير؟ جيبز؟ رامسي نفسه؟ مناطيد أخرى صنعها الإعلام الإنجليزي المسعور، مليئة بالهواء الساخن ولكنها تتحرك ببطء لا يُصدق، لتأخذ مكانها مع وولكوت وتشامبرلين وغيرهم، لقد إزدحمت سماؤك بالمناطيد عزيزي فينجر، وآخر مرة إستُخدمت فيها المناطيد للقصف كانت في الحرب العالمية الثانية.

كل ما سبق يُؤخذ فيه ويُرد، كنا نقول وقتها أن تاريخك يشفع لك، مازال فينجر مدربًا كبيرًا حتى ولو لم يعد عظيمًا، هكذا كنا نخبر أنفسنا، يوم تنتهي ديون الملعب سيعود أرسنال فينجر لسيرته الأولى، لكنها إنتهت، ربما لم تدرك ذلك بعد لكنها انتهت، حقًا وصدقًا، انتهت ولم تنتهي أيام ميرتساكر في الملعب بعد، المدافع الوحيد في البريمييرليج الذي بإمكاني الجزم بالتفوق عليه إن منحتني نفس الفرصة، بل ربما تتفوق أنت عليه عزيزي فينجر..إنتهت ولم تنتهي أيام جيرو، ستحدثني عن سانشيز وأوزيل..لا بأس..سيرحل سانشيز كما رحل غيره، ليس لأنه وغدٌ مادي عديم الوفاء، لكن لأنه لاعب كرة، وبالتأكيد لا يريد إضاعة أفضل سنواته مع فريق لا يريد المنافسة بجدية، أوزيل لم ولن يصلح لأرسنال ولا البريمييرليج، لم أدرب أي نادي لتسعة عشر عامًا لكني أعلم أن الإحصائيات وحدها لا تكفي، نعم أوزيل كان أفضل صانع لعب في أوروبا قبل مجيئه، ولكنه لم يكن يمرر لجيرو وويلبيك ووولكوت، تلك أشياء لا تظهرها الإحصائيات التي تدأب على متابعتها، كما لم تظهر لك أن لويك بيرين مدافع سانت إتيان كان سيفشل في أرسنال، أعلم أنك كنت تخطط لجلبه لملعب الإمارات الصيف قبل الماضي لأنه نال أعلى التقييمات على مواقع الإحصاء المختلفة، أعلم كذلك أن الصفقة تعثرت لأسباب إجرائية فقط لا غير، ألم أقل لك أني أعرف عنك أكثر ما تعرف عن نفسك؟ أين هو لويك بيرين الآن؟ لا تعلم بالطبع، ولا يعلم أحد، وليس من المنطقي أن نعلم..في نفس الوقت تجاهلت أنتوني روديجير مدافع شتوتجارت المعار لروما، وهذا طبيعي كذلك، فليس إلا أفضل مدافع شاب في البوندسليجا، ولم يعلن عن رغبته في الإنضمام لأرسنال سوى مرتين فقط، واصفًا نفسه في إحداها بأنه جانر حقيقي..لا ليس كافيًا، لو تركنا الباب مفتوحًا لكل لاعب يعلن أنه جانر حقيقي لما أغلقناه أبدًا، على الجانر الحقيقي أن يكون وحشًا ككوكلين أفضل وسط دفاعي في البريمييرليج، كوكلين الذي كاد يرحل بعد أربعة سنوات من الإعارات البائسة لأندية الدرجة الثانية، في الوقت الذي قاد فيه وسط أرسنال أرتيتا وفلاميني، ولم تُقطع إعارته حتى يناير الماضي عندما أصيب كل لاعبي الوسط تقريبًا، نقطة أخرى تشير فيها كل أصابع الإتهام تجاهك، تغير اللاعبون أكثر من مرة، تغير الجهاز الطبي، بل تغيرت إدارة النادي نفسها، ومازالت الإصابات مستمرة..ربما تكون المشكلة في الجماهير، على الأرجح هم سبب عقم خط الهجوم كذلك، فتلك الأيام لا شيء يرضي الجماهير، ولا حتى التعاقد مع لاعب رائع كويلبيك قادر على إحراز ثمانية أهداف كاملة في الموسم الواحد.

عبارات قاسية، لكنها لن تكون بقسوة سداسيات تشيلسي وليفربول ومانشستر التي لم تثنيك عن عنادك، الفرق أني أفهم، أفهم الحلقة المفرغة التي وضعت نفسك فيها طواعية، الجماهير تطالب بالتدعيم حتى وإن لم يكن براقًا لامعًا كمنافسيك، يكفيهم أن يكون منطقيًا فقط لا غير، فترفض وتحاول الترقيع بحلول كوميدية، ثم يتضح للجميع أن الحلول الكوميدية هي في الواقع حلول كوميدية جدًا، فتكابر لأنك ترفض أن يكون الحل بهذه البساطة، لم تعد تقبل أن يتقلص دورك قليلاً لتفسح لنجم آخر ينتشل أرسنال من غيبوبته، لأن هذا يعني أنك لم تعد قادرًا على صناعة هنري آخر، أو فييرا آخر، أو توريه آخر، وهذا هو كابوسك الأسوأ، أسوأ حتى من مورينيو، النتيجة أنك تستمر في عنادك، فتستمر الجماهير في المطالبة، فإن إستجبت فهناك إحتمال لا بأس به أن يتضح أن الجميع كان على حق، وأنك أضعت سنينًا لتفدي كبرياءك فقط لا غير، ولأنك ما زلت تملك بعض الإتساق مع الذات فستكون تلك هي الساعة التي تلملم فيها حاجياتك وترحل، وهو ما تفضل الموت عليه، كل هذا يدفعه شعور ضمني بأن الجميع يدين لك بهذا، لكنه شعور لن تصرح به أبدًا.

في الواقع عزيزي فينجر فإن جماهير أرسنال مدينة لك بأكثر من ذلك بالفعل، لكن حب الجماهيرغير قابل للإسترداد، والأهم، غير قابل للتبديل بسنوات أخرى من الفشل، خاصة إذا كان فشلًا لا ولن يفضي إلى نجاح..لن تكون نهاية الدنيا إن تركت أرسنال لتجربة جديدة مثيرة فلقد بات عشقك لهذا النادي يخنقه..عزيزي فينجر، أرسنال لم يعد طفلاً، وكونك السبب في ذلك سيكون عزاؤك الوحيد عند الرحيل.

للتواصل مع الكاتب عبر فيسبوك، اضغط هنا

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية