x

رولا خرسا مونيكا وثقافة الإذلال رولا خرسا الجمعة 02-10-2015 21:25


شاهدت منذ أيام على شاشة التليفزيون مونيكا لوينسكى، أشهر سيدة أمريكية فى عهد الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون، ضمن ما يسمى بمحاضرات تيد. وتيد هى مؤسسة غير ربحية مهمتها الأساسية نشر الأفكار، وعادة يكون هذا على شكل خطاب تلقيه شخصية شهيرة لا تتجاوز مدته الثمانية عشرة دقيقة، تتحدث فيه عن تجربتها الشخصية. بدأت محاضرات تيد عن الأمور المتعلقة بالتكنولوجيا، ثم تطورت وأصبحت تشمل كل مجالات الحياة، وتُترجم هذه المحاضرات اليوم إلى أكثر من مائة لغة حول العالم. المتحدثة المختارة هذا العام كانت مونيكا لوينسكى، وكان عنوان محاضرتها «ثمن العار» وألقتها فى مارس الماضى فى فانكوفر فى كندا. كل معلوماتى فى الماضى عن مونيكا كانت باختصار ما قدمه لنا الإعلام من أنها المتدربة فى البيت الأبيض التى كانت على علاقة بالرئيس الأمريكى.. قدمت لنا على أنها البنت اللعوب التى حاولت إغواء الرجل.. الحق يقال، إننى بسبب ما كُتب عنها ظللت لسنوات محتفظة بالصورة الذهنية التى فى رأسى عنها وهى صورة مشوشة دون حكم معين، مثل الإدانة المباشرة ربما لأنى من طبعى ألا أصدر أحكاما ولكنى كنت أضع علامات استفهام كثيرة حول تصرفاتها.. إلى أن كان خطابها فى تيد والذى شاهدته منذ أيام قليلة فقط. وسألخص لكم ما قالته قبل أن أقول لكم انطباعى عنها. تحدثت مونيكا عن أن خطأها يتلخص فى أنها وقعت فى الحب، فى حب رئيسها فى العمل الذى تصادف أنه كان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.. وسألت الجمهور: «حسنا أنتم ترون أن حبى كان خطأ، من منكم لم يرتكب أخطاء وهو فى سن الثانية والعشرين؟». ولكن ما يعتبره الكثيرون خطأ دفعت هى ثمنه سنوات عمرها حتى يومنا هذا. حكت عن صديقتها ليندا تريب التى كانت تثق بها بينما كانت تسجل لها ما تأتمنها عليه من أسرار حبها وعلاقتها، ثم قامت ببيعها للصحافة لتفاجأ بأجزاء من مكالماتها تذاع على شاشات التليفزيون، وهنا تقول مونيكا إنها لم تشعر بالإذلال كما شعرت عند سماعها مكالماتها هذه، لأنهم سرقوا أسرارها التى ائتمنتهم عليها، سرقوا صورها، وأشاعوها دون أن يستأذنوها. وحكت والدموع فى عينيها عن تأثير الفضيحة عليها عندما بدأ الناس فى معاملتها بقسوة وإدانة لم تتخيلها، لدرجة أن أمها كانت تطلب منها عدم قفل أى أبواب غرف تدخلها، كى تستطيع مراقبتها، فلا تقدم على الانتحار.. أضافت مونيكا أن وقتها وسائل التواصل الاجتماعى لم تكن على قدر الانتشار الذى نجدها عليه اليوم، ورغم هذا فإن فضيحتها انتشرت حول العالم، تحدثت عن قسوة الناس الذين تلتقى بهم فى كل يوم من أيام حياتها منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا، وضربت مثلا بالشاب تايلور كليمنتى الذى كان مثليا وأقام علاقة مع شاب آخر وقام رفيق غرفته فى الجامعة بوضع كاميرا فى غرفتهما دون أن يدرى وصوره مع صديقه دون أن يدرى ثم بدأ يهدده بأنه سيقوم بنشر الفيديو، فما كان من تايلور إلا أن انتحر ملقيا بنفسه من فوق جسر جورج واشنطن. الهدف من خطاب مونيكا كان إرسال رسالة إلى كل من يستخدم وسائل الإنترنت بأن يكون أكثر رأفة بالآخرين. كثيرون للأسف يستخدمون الإنترنت للبلطجة أو الابتزاز، حتى إن هناك من يفكر جديا فى إنهاء حياته خوفا من العار. مونيكا وصفت ما حدث لها بأنه جزء من ثقافة الإذلال التى يحب الناس ممارستها، وبين قوسين هنا أقول إننا نجد فى مجتمعنا الشرقى الكثير ممن يعايرون غيرهم ويمارسون هذه الثقافة بقسوة شديدة. اعترفت مونيكا بأنها منذ أن كانت فى الثانية والعشرين من عمرها وحتى يومنا هذا لم يمر يوم واحد دون أن يتم تذكيرها بخطئها الذى ندمت عليه كثيرا. بدأت بقصة حب انزلقت بعدها كى تصبح محط أنظار الساسة والقانونيين والإعلاميين، كما لم يحدث لأحد من قبل. وتذكر كيف أنها بين ليلة وضحاها تحولت من شخصية مجهولة إلى أكثر شخص تمت إهانته على مستوى العالم، ففقدت بسبب هذا سمعتها وكرامتها والأهم فقدت ثقتها بنفسها. تقول إن وقتها ما حدث لها لم يكن له اسم بعد ولكن أصبح يسمى اليوم «بلطجة الإنترنت».

تأثرت كثيراً بخطاب مونيكا وما استوقفنى هو كمّ العار الذى يلحق بالأشخاص بمجرد أن تدوس أنت على زرار التشغيل.. لا تشارك فى نشر فضيحة، بل على العكس عندما تستطيع مساندة من ارتكب خطأ افعل، لأنك بهذا تساعده على الوقوف على قدميه، لا شىء يعيد الإنسان إلى صوابه أو إلى الطريق السليم قدر المساندة والتعاطف ممن هم حوله. إن ارتكب ابنك خطأ أو صديقك أو زوجك أو زوجتك أو أخوك لا تحاكمه، لا تبكّته وتوبخه، بل على العكس احتضنه وتفهم أنه بشر، وكل البشر خطاؤون. واحتضان المقربين من مونيكا رغم فضيحتها هو ما أنقذها. ما حدث لمونيكا جعلها تغادر الولايات المتحدة وتذهب إلى لندن لدراسة علم النفس المجتمعى وتبتعد عن الأضواء..أودّ أن أشير إلى أن الجمهور الذى حضر المحاضرة كان متأثراً جداً، حتى إن كثيرين بكوا. وبعد نشر المحاضرة على موقع تيد فوجئ القائمون على الصفحة بكم الهجوم وعبارات الكراهية التى وجهت لمونيكا، بدءا من وصفها بالعاهرة انتهاء بترديدهم لها أن ثقافة الإذلال التى تحدثت عنها هى ما تستحقه وأنها يجب أن تقضى بقية عمرها فى دفع ثمن ما ارتكبته. هنا قررت إدارة الموقع حذف كل التعليقات السلبية والاكتفاء بالإيجابية.. فى البداية اتهموهم بأنهم لا يحترمون حرية التعبير، وشيئا فشيئا بدأت تكثر التعليقات الإيجابية، وكأن الإيجابى معد، فالناس تشجعت عندما قرأت ما كتبه الآخرون على قول ما يشعرون به وهم لم يقولوه قبلا كى لا يختلفوا عن العامة. الرسالة المقصودة من مقالى مركبة.. لا تحكم على أحد، لا تكن قاسيا على غيرك، التمس العذر، لا تساهم فى نشر ثقافة البلطجة والشر، وازرع المحبة حتى ولو فى شكل تعليق على الإنترنت.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية