x

شهادة جمال شقرة في ذكرى وفاة عبد الناصر: جنّد 5 أجهزة رقابية للتصدي للفساد

الإثنين 28-09-2015 22:32 | كتب: ماهر حسن |
جمال شقرة جمال شقرة تصوير : آخرون

في الذكرى الـ45 لوفاة الزعيم جمال عبدالناصر، أكد الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس، حرص «ناصر» على الفصل بين الشأن العائلي والأسري من جهة وشئون الحكم من جهة أخرى، وتحدث بالتفصيل عن الملمح المعرفي والثقافي للزعيم، وقال إنه «من الطريف أن هناك وثيقة من وثائق الأمن الأمريكي في عهد الرئيس أيزنهاور أشارت إلى أن ناصر يحترم المؤسسة الأسرية وبيته وعائلته وزوجته، وينأى بهم تمامًا عن شؤون الحكم، ولم يفضل أيضًا أن تتميز زوجته عن أية زوجة مصرية، لذا لم يظهر لقب السيدة الأولي في عهده، ومن المفارقة أن الشعب المصري كان ولا يزال يقدر ويبجل السيدة تحية كاظم إلى الآن، ويعتبرها أفضل زوجة بين زوجات الرؤساء الذين تعاقبوا بعده»، مشيرًا إلى أنه «لو أن ناصر منحها فرصة المشاركة، في العمل الاجتماعي العام مثلًا، وصارت تحمل لقب السيدة الأولى، لكان المصريين رحبوا بذلك على مصر».

وأضاف «شقرة»، في حواره لـ«المصري اليوم»، أن «ناصر كان لديه نقطة ضعف تجاه المرأة ووضعها في مصر، ما جعله يقدرها ويحرص على منحها المزيد من الحقوق، ويضعها في المكان المناسب، ولكنه كان متحفظا فيما يتعلق بأسرته؛ فهي ليست مادة إعلامية، وفي المقابل منح المرأة حق التصويت في الانتخابات، وجعلها تشارك بالعمل في مؤسسات الدولة في مواقع مهمة».

أما عن ملمح التجرد والنزاهة التي اتسم به «ناصر»، يؤكد «شقرة» أن «هذه صفة أشاد بها الغرب قبل المصريين وهو أنه كان زاهدًا، وأنا شخصيا اطلعت على إقرار الزمة المالية لناصر في وثيقة موجودة في قصر عابدين، ولم أجد أي شئ يدلل على أي مظهر من مظاهر البزخ أو الإسراف، وكان مرتبه ينفقه في أوجه الانفاق المعتادة لأية أسرة مصرية، ولم يكن من عشاق الطعام الفاخر فطعامه وطعام أسرته مثل طعام أية أسرة مصرية متوسطة، وكان يكره التكالب على المال، وباءت كل محاولات تلويث زمته المالية بالفشل، حيث شهد الجميع في الخارج والداخل على نزاهته، وكل الوثائق أيضًا أكدت هذا، ولم يثبت أبدا أنه خلط بين ماله الخاص ومال الدولة أو أن تربح من منصبه، فناصر الذي وزع على الفلاحين الفدادين الخمسة لم يستأثر لنفسه بقيراط أرض واحد، بل توفي وهو مدين للدولة بسلفة معاش اقترح السادات تسديها عنه لتبرئته من الدين بعد وفاته».

وعن ملمح الفساد وإذا ما كان عهد «ناصر» شهد حالات فساد أم لا، شدد الدكتور جمال شقرة على أن «الفساد موجود في الأزمنة وفي كل العهود وفي كل الدول، والنفس البشرية أمارة بالسوء أيضًا، لكن رغم هذا تجد حالات الفساد في عهد ناصر نادرة جدًا، ولا ترقي لمعنى الفساد الذي نعرفه، وذلك لأنه جهد في أن يكون الناس سواسية، في محاولة لإزالة الفروق الطبقية، فقد انعدمت أو ندرت حالات الفساد، وحتى الحالات التي لا تذكر تم التحقيق فيها في عهده وعوقب مرتكبوها أشد العقاب بشكل رادع، ولم يكشف النقاب بعد عن هذه الحالات التي ارتكبها أحد رجاله، ولكنها متواضعة جدًا قياسًا بحالات الفساد الصارخة لرجال السادات ومبارك، ذلك أن ناصر لم يكن يحتكم لجهة رقابية واحدة بل نحو 5 جهات للتأكد من هذه الحالة أو تلك».

وعن دعم مصر لحركات التحرر العربي والأفريقي، والحضور المصري القوي والفاعل في العمق الأفريقي، قال «شقرة»: «ناصر كان يرى استقلال مصر منقوصًا ما لم تستقل الدول الواقعة في محيطها أو في الجوار، وكان هذا أحد أسباب تأسيس إذاعة صوت العرب وسببًا جوهريًا في دعم حركات التحرر، ورأى أن استقرار مصر مرهونًا بالعمق الأفريقي، وبخاصة في دول المنبع، وحال بين النيل في أفريقيا وإمكانية أن تلعب إسرائيل دورًا في تلك الدول بجميع أشكال الدعاية والدعم والخدمات».

مال «شقرة» في حواره وشهادته عن «ناصر» إلى زاوية الثقافة التي تمتبع بها «ناصر»، ونهمه للقراءة، فذكر أسماء ونوعية الكتب التي قرأها في كل مرحلة عمرية وتعليمية، فيقول: «أرشيف منشية البكري في قصر عابدين والذي لا يزال يحوي الغالبية العظمى من وثائق ناصر يتضمن الكثير من الأوامر التي أصدرها، منذ توليه السلطة، إلى مساعديه بترجمة أو تلخيص مؤلفات ودراسات ومراجع عديدة، ولا تزال الأوراق التي كان يعرضها عليه مديرو مكتبه تحوي الكثير من الرسائل التي وردت إليه من علماء ومفكرين تناقشه في فكرة معينة، أو تشرح له إشكالية نظرية بعينها، ولا تزال خطوطه وملاحظاته التي سجلها على ملخصات أمهات الكتب، أو على هوامش هذا النوع من الرسائل، موجودة كما كتبها، ولا يزال رفاقه ومعاصروه يتذكرون التوجهات التي أصدرها لهم بضرورة الإطلاع على كتاب بعينه، مع مداعبة رقيقة تحمل في طياتها كثير من الجدية بأنه سوف يناقشهم فيما ورد بين دفتي الكتاب، وكان الوزراء يبدون استغرابهم من هذه الظاهرة الغريبة، فقد أنهوا دراستهم منذ زمن بعيد، وكثير منهم حصل على شهادة الدكتوراه، بل على الأستاذية، وبعضهم عمل بالجامعات المصرية، وما كان يخطر ببالهم أنهم عينوا وزراء ليعودوا مرة ثانية إلى مقاعد الدرس، ليطالعوا الكتب والمراجع والترجمات والملخصات التي كان يوزعها عليهم، فكانت بعض الدراسات تتناول تاريخ مصر الحديث، وتاريخ قناة السويس، وتاريخ الوطن العربي، وكان البعض الآخر يتناول تاريخ حزب العمال البريطاني، وتاريخ الاشتراكية، ومن ذلك أيضًا أحدث ما كتب عن الأيديولوجيات المعاصرة كالوجودية، والماركسية، والبرجماتية وغيرها، ولكن حالة الاستغراب التي كانت تنتاب الوزراء والمسئولين سرعان ما كانت تزول عندما يرون أعضاء مجلس قيادة الثورة ورفاق ناصر القدامى يتقبلون الأمر ببساطة؛ لأن الظاهرة لم تكن جديدة بالنسبة لهم، فقد تعودوا ذلك منذ مرحلة ما قبل الثورة، عندما كان ناصر رئيسًا للهيئة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار».

يضيف «شقرة» في هذا الجانب أيضًا: «كان ناصر قارئًا نهمًا ودارسًا متميزًا، ويعده البعض بحق النموذج الفريد لرئيس الدولة الذي أكمل تعليمه وتثقيفه وهو في السلطة، رغم أن السلطة من شأنها أن تغنيه عن ذلك كله، لأنه يستطيع أن يستأجر من يشاء من المثقفين والمتعلمين، أما هو فكانت رغبته الشديدة في أن يعرف بنفسه كل شىء خطا مستمرا في حياته، تتعدد أشكاله وصوره، وكانت قدرته على القراءة خارقة، وقدرته على الاستيعاب والتذكر بنفس المستوى، ولعل هذه المصادر الفكرية المتعددة عكست التكوين الفكري له، الذي كان من مصادره في مرحلة الطفولة وحتى استقرار أسرته في حي باب الشعرية، مكتبة المسجـد الشعراني، والكتـب التي كان يستعيرها من أساتذته، وكان يقضي في مسجد الشعراني ساعات طويلة يقرأ، وكانت مكتبة المسجد تضم العديد من كتب الدين والسير والتاريخ، أتى على معظمها وكان ما يزال في الـ15 من عمره، بل لجأ أيضا إلى الاستعارة من مكتبة أساتذته في مدرسة النهضة، وحين كان لا يزال طالبًا في الثانوية قام ناصر بعملية تثقيف ذاتي صارمة ميزته عن رفاقه في المدرسة الثانوية، وبين مكتبة المسجد والكتب التي استعارها من أساتذة مدرسة النهضة المؤلفات التي تناولت تاريخ العرب والإسلام وسيرة الرسول، من ذلك كتاب (المدافعون عن الإسلام)، وقرأ عن حياة المناضل والزعيم الوطني مصطفى كامل، وكتاب (طبائع الاستبداد) لعبدالرحمن الكواكبي، وكتاب (أم القرى)، وكتاب أحمد أمين عن (مجددي الإسلام)، وكتاب (وطنيتي) لعلي الغاياتي، وكانت قراءاته في هذه الفترة مزيجا من القصص والتاريخ، واهتم بدراسة تاريخ مصر في القرن الـ19».

يواصل «شقرة» حديثه عن نوعية الكتب التي طالعها الزعيم منذ صباه، ويقول: «من الشخصيات التي قرأ لها الأمير شكيب أرسلان الذي كتب أيضًا عن الشرق ومجده السالف، وقرأ عن تاريخ الثورة الفرنسية والفيلسوف جان جاك روسو، وفولتير وثورته على فساد نظام الحكم والكنيسة، وسجل ملاحظاته عن الأخير، وعبّر عن إعجابه به في مقال نشره في مجلة (مدارس النهضة) بعنوان (فولتير رجل الحرية)، واهتم بقراءة سير (نابليون بونابرت وغاندي والإسكندر الأكبر المقدوني ويوليوس قيصر)، وأعجبته القصة التي أبدعها فيكتور هوجو (بائعة الخبز)، ورائعة شارلز ديكنز (قصة مدينتين). وذكر ناصر أنه تعلم من رواية ديكنز كيف يمكن أن تكون الثورة بيضاء، وقرأ أيضًا رواية (عودة الروح) لتوفيق الحكيم، ولم يتوقف عشقه وشغفه بالقراءة، ولم تشغله حركته السياسية عن برنامج التثقيف الذاتي سواء قبل أو بعد تأسيسه تنظيم الضباط الأحرار، وبعد وصوله إلى قمة السلطة حتى رحيله؛ حيث تلازمت حركته السياسية مع تثقيفه الذاتي لنفسه، وتعددت المصادر الفكرية قبل وبعد تأسيس التنظيم، فإضافة إلى الكتب الدراسية المقررة في الكلية الحربية عاد ناصر إلى مطالعة الكتب التي تناولت سيرالعظماء، وكبار القادة العسكريين، وكبار الساسة أمثال (غاريبالدي وبسمارك وهندنبرج وونستون تشرشل وجوردون وفوشي ولورنس ومصطفى كمال أتاتورك)، وقرأ المؤلفات التي تناولت الحملات العسكرية والحروب، والمواقع الحربية الشهيرة كتلك التي تناولت حروب نابليون في أوروبا وحملته على مصر عام 1798، وكذا حملة فلسطين وحملة جوردون على الخرطوم، والمؤلفات التي تناولت موقعة المارن وواترلو، ومعارك الحرب العالمية الأولى، والكتب التي تتناول تاريخ الثورات مثل الثورة الفرنسية والثورة الاشتراكية وثورة 1919».

ويضيف: «الزعيم استغل السنوات الثلاث التي قضاها في الكلية الحربية، بعد تعيينه مدرسًا بها بين عامي 1943 و1946، في قراءة ما استجد من كتب في مكتبة الكلية، ومنها كتاب (حول اليابان وأسرار قوتها وحول الحملة البريطانية على مصر وحول اللنبي في مصر)، وقرأ كذلك مؤلفات ليدل هارت حول الحروب الحاسمة في التاريخ، ومؤلفات (العالم تحت السلاح والحرب في سبيل السلطة العالمية والحرب الخفيفة والحرب بغير مدافع والحرب في الجو ومبادئ الحرب وأطلس اكسفورد الحربي، وحرب الغد الآلية وكتاب اللورد كرومر حول مصر الحديثة)، وطالع أيضًا كتاب أرنولد ويلسون حول قناة السويس، وأرنولد سيجفرد حول السويس وبنما، وكمدرس في الكلية الحربية دفعه اهتمامه إلى التركيز على الدراسات التي تناولت علوم الحرب، وقرأ كتاب عالم النفس الأمريكي ديل كارنجي (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس)، وقراءة مثل هذا الكتاب ربما تشير إلى بداية اتجاهه إلى تجميع الضباط حوله وضمهم إلى تنظيم الضباط الأحرار، وقرأ أيضًا كتاب العالم الاقتصادي اليهودي بون الذي عالج قضايا تنمية الشرق الأوسط الاقتصادية، وربما يشير ذلك إلى بدايات إدراكه لأهمية الاقتصاد، ودوره في توجيه وصناعة تاريخ الشرق الأوسط، إضافة إلى مسرحية توفيق الحكيم (أهل الكهف)».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية