نحن أمة تموت بسبب لا شىء.. تموت وهى تحج وتتعبد.. وتموت وهى تلهو وتمزح مزاحاً ثقيلاً.. وتموت وهى تتسابق لرمى الجمرات، وتستعد لرجم الشيطان.. لا تعرف لماذا؟.. أي شيطان كانت تتدافع لتضربه بالحصى؟.. أي شيطان نموت من أجل أن نقذفه؟.. حصيلة مروعة للشهداء.. حتى كتابة هذه السطور بلغت أكثر من 717 شهيداً.. هناك 800 مصاب.. أي أن معركة الجمرات كان قوامها 1500 حاج!
لا نعرف الأرقام بدقة، لأن المصدر الوحيد للمعلومة، هو الدفاع المدنى السعودى.. هناك عشرات الصحفيين مع بعثات الحج المصرية، لا يعرفون الحقيقة.. هناك رؤساء تحرير وكتاب كبار.. لا أحد يستطيع أن يتحرك بنفسه لمعرفة أخبار المجزرة.. ما لدينا من معلومات مصدره واحد فقط.. الطرق مغلقة أمام التنقلات.. والطرق مغلقة أمام المعلومات.. عشرات الفضائيات السعودية لا تذيع غير خبر عاجل فقط!
عندما رأيت المشهد فجر أمس، شعرت بأن شيئاً ما سوف يحدث.. كتل بشرية ضخمة تتحرك بلا أي ضابط.. بلا أي مرشد.. هناك شوارع يتصادم فيها الحجاج.. أشبه بقطارين فائقى السرعة.. منها الشارعان المذكوران.. لا أحد يقف في وجه الطوفان بهدف تنظيمه.. كان من الطبيعى أن تحدث حالة من الفوضى ليسقط الشهداء، بلا أي معنى.. لا توجد في هذه المفارق بعثة، تكون بمثابة «فرامل» تمنع الكارثة!
كنت قد فرغت مع شروق الشمس، من رمى الجمرات.. كان معى وزير مصرى وسفير عربى.. كنا نتهامس أن المشهد مروع.. كيف يكون يوم الحشر إذن؟.. بعدها بساعة تقريباً كان القطار يندفع إلى مصيره المحتوم.. هناك أخطاء بشعة في التنظيم.. هناك جرائم في التفويج.. هناك سلوك «همجى» من بعض الجنسيات.. تدهس من يقابلها بلا رحمة.. كانت هذه هي النتيجة المؤلمة.. وهكذا أصبح الحج بلون الدم!
الغريب، هذه المرة، أن التدافع لم يحدث فوق جسر الجمرات.. المسألة منضبطة جداً فوق الجسر.. الأزمة في الشوارع المؤدية للجسر.. في شارع 204 والشارع المتقاطع معه، كان لابد أن تحدث كارثة.. طوفان لا يمكن أن يوقفه أحد.. ولا يمكن أن يقف في وجهه أحد.. هنا كان ينبغى أن تكون إشارة مرورية.. توقف الزحف لمدة دقائق.. ولو لكى تستقيم حركة الحجاج باتجاه الجسر.. لا شىء من ذلك قد حدث!
رئيس البعثة المصرية نفسه، كان يتلقى الأخبار من مصدر واحد.. ليس هناك صحفى واحد يملك حرية التحرك.. أي عسكرى يمكن أن يقول لك: ارجع.. وحين تذهب من مقر إقامتك بجوار الحرم، تحتاج أكثر من ساعة مشياً لتجد سيارة أو «موتوسيكل».. ثم تقطع الطريق في ساعة على الأقل إلى منى.. ثم تقف خارج المنطقة بساعة.. وقد لا تتمكن من معرفة شىء.. سيقول لك أي عسكرى «ارجع يا حاج»!
لأول مرة أشعر بالعجز.. لا أستطيع تغطية «خبر» على بعد مترات.. كل شىء مغلق.. هناك مشكلة أيضاً في ثقافة ممارسة المناسك.. ملايين ترجم الشيطان معاً.. فما معناه؟.. لابد من وقفة.. من الحجاج أولاً.. الشيطان لم يكن فوق الجسر هذه المرة.. كان يسكن شارع 204.. فاجأ الحجاج، قبل أن يذهبوا إليه.. هو من حدد ساعة الصفر، للأسف!