تخيّلوا معى أن الدولة المصرية بمثابة أتوبيس، أو كما يقول أحد الأصدقاء، سيارة نركبها جميعا منذ زمن بعيد وقد أصبحت قديمة ومتهالكة وقطع غيارها مستهلكة والعفشة تحتاج تغييرا عاجلا، والفرامل متآكلة وفرش الكراسى مهترئ وملىء بالثقوب والبقع، ولكننا مع ذلك مصممون على الاحتفاظ بها بحالتها، يمكن لأننا شعب عاطفى لا تهون عليه العشرة، وبالتالى بالرغم من أن السيارة طرازها عفا عليه الزمن، إلا أننا نرفض تغييرها ونتظاهر أننا راضون عن أدائها ونعتبر أن صوت الكركرة والخشخشة في الموتور بمثابة دليل على أنها تسير على ما يرام، بالرغم من أنها متوقفة في مكانها، بينما نشاهد جميع العربات حولنا تسير أسرع منها بموديلادت حديثة تليق بتكنولوجيا العصر، وأكثر من ذلك فإنه كلما توقفت بنا السيارة، بسبب أعطالها الكثيرة، لا تطاوعنا أنفسنا أن ندخل عليها تعديلات جوهرية أو نشترى لها قطع غيار أصليّة بل نكتفى ببعض الإصلاحات الشكليّة باستخدام قطع غيار مضروبة، بينما نحتفظ بالأجزاء القديمة وصواميلها البايظة في شنطة العربية وفى الآخر نرش شوية دوكو من على الوشّ، لتبدو جديدة، وكان الله بالسّر عليم،
والأدهى من ذلك أنه برغم أداء السيارة البطىء منذ عقود طويلة والذى تزايد تدهوراً خلال السنوات القليلة الماضية فإننا لم نفكر أبدا في تغييرها بشكل جذرى، بل حرصنا على الحفاظ عليها كما هي، بل أضفنا إليها أثقالا جديدة، وعندما ظهر أنها عاجزة عن التحرك هدانا تفكيرنا القاصر أن السبب الوحيد هو قائد السيارة، وليس محتوياتها، فقمنا بتغيير قائدى السيارة أربع مرات في أربع سنوات دون أن نفكر مرّة واحدة في تغيير هيكل السيارة وأجزائها التي تتساقط على طول الطريق، ولم نجد الشجاعة لنواجه أنفسنا بحقيقة أن أبرع قائدى السيارات في العالم لن يستطيع أن يتقدم في الطريق أو يحرز قصب السباق دون سيارة حديثة تعمل أجهزتها بسلاسة ويدور محرّكها بنعومة وكفاءة، وهذا بصراحة شديدة هو حال الدولة المصرية و«سيارتها» التي تضيق ببيروقراطيتها العتيقة العنيدة التي تتكدّس داخلها أجهزة حكومية «ديناصورية» مازالت تعيش في غياهب تفكير العصور الوسطى، وبدلا من أن تؤمن بالحداثة والتجديد فإنها تقدّس الاحتفاظ بالكراكيب سواء في الممرات أو الشرفات أو جنبات الطريق وتصمم على التحرك بهذه الأحمال الثقيلة، وبالرغم من أنها لا تعمل ولا تنتج فإنها تستمر في إصدار الضجيج الفارغ من المحتوى فنسمع جعجعة ولا نرى طحنا، وبالتالى فإنه مهما تم تغيير القادة ومهما حسنت نواياهم وخلصت جهودهم فلن يتغير حال البيروقراطية المتحجرة، التي تؤمن بمبدأ «على قد فلوسهم» بينما ترهق كاهلنا بأثقالها المتراكمة وتجرّنا أساليب عملها البطيئة المتكاسلة إلى الوراء، ولن ينصلح حالنا إلا إذا استبدلناها ببيروقراطية حديثة ذات كفاءة تتم محاسبتها بشفافية وتتم مجازاتها أو مكافأتها على قدر العمل، أما الاستمرار في تجاهل الواقع والتظاهر بأنه ليس في الإمكان أحسن مما كان وأن السيارة التي نستقلها تسير بنا بالرغم من أنها متوقفة تماما على جانب الطريق، فإن ذلك سيُوردنا مورد التهلكة ولا يوجد مبرر للتقاعس عن تبنى الإصلاح الجذرى المطلوب سوى عدم جرأتنا على مواجهة «ديناصورات» البيروقراطية الحكومية العتيدة التي سيهدد التغيير مصالحها المتجذرّة، فهل حان الوقت لنبادر بالإعلان لكل من يهمه الأمر أننا قد فتحنا باب تلقى العروض لاستبدال سيارة الدولة المصرية العتيقة المستهلكة بأخرى حديثة تليق بنا جميعا؟