x

عبدالله السناوي يكتب في عيد ميلاد هيكل: أهم صحفي في القرن العشرين

الأربعاء 23-09-2015 11:59 | كتب: اخبار |
محمد حسنين هيكل محمد حسنين هيكل تصوير : اخبار

لا يمكن كتابة تاريخ الصحافة العربية، دون التطرق لتجربة فريدة ومحطة فارقة فيها، وهى تجربة الأستاذ هيكل، وهى فريدة وفارقة لعدة اعتبارات، منها أنها امتدت لـ75 عاما، وحافظت على تفردها وتألقها طوال هذه الفترة، وتواصل فيها عطاء الأستاذ بنفس التوقد والتجدد.

وبحسب المقولة الشائعة التى تقول: «إنه بإمكانك الوصول إلى القمة لكن من الصعب أن تحافظ عليها»، فإن الأستاذ كسر هذه القاعدة، وحافظ على القمة، بل أضاف إليها، وجدد فيها منذ الخمسينيات حتى الآن، وقد تعاقبت عليه عقود وعهود، واختلفت سياسات، ورافق ناصر وعصر السادات، وتعرضت علاقتهما لجفوة ثم قطيعة، ثم مبارك وصولا إلى الآن، لكنه استطاع أن يحتفظ بمكانته الرفيعة، برغم كل التوافقات والتناقضات والعواصف والمتغيرات، وهذا يعود لأسباب موضوعية عدة، أولها إخلاصه للمهنة حتى إنه ومعظم الناس لا يتذكرون أنه كان وزيرا للإرشاد ولا للخارجية لفترة قصيرة، وإنما كانت مثل هذه المناصب شيئا عارضا فى سيرته، حيث همه الأول وقضيته الأولى هى الصحافة، التى وهب لها حياته حتى بعد خروجه من الأهرام فى فبراير 1974.

ومما أذكره أنه كان قد زار الخمينى، وقد سأل الرئيس صديقا مشتركا بينهما بأى صفة قابل الخمينى، فقال هيكل لهذا الصديق: قابلت الخمينى بصفتى صحفيا، وقال له السادات «خد بالك يا محمد» واعتقد السادات أنه بالإمكان بعد عزل صحفى أنه تم تهميشه، ولكن هيكل لا تنطبق معه هذه القاعدة، فقد تفرغ لإنجاز كتبه، فحقق لنا مكتبة مهمة جدا، منها حرب الثلاثين عاما، ومدافع آية الله، ولمصر وليس لعبد الناصر، وغيرها.

وقد حافظ هيكل على المهنة وطورها، ولما تمتع به من أسلوب خاص فى الكتابة، فقد أكسبه ذلك شعبية كبيرة، وبخاصة منذ كتابته عموده الأسبوعى فى الأهرام بعنوان «بصراحة»، وبرغم ذلك حرص على تطوير أدواته وأسلوبه الذى تجده مختلفا فى كل مرحلة عن الأخرى، فأسلوبه فى «آخر ساعة» يختلف عنه فى «الأخبار» حيث التدفق الدرامى والعاطفى وبناء الصور البلاغية فى تحقيقاته التى كانت مدعومة بالمعلومات الميدانية وربطها بما هو سياسى، ثم كان التحول الجوهرى فى مقالاته «بصراحة» فى الأهرام، والتى تميزت ببناء الرؤية ومنطق السياسات، مستندا لما تدفق لديه من معلومات، ثم أعاد اكتشاف نفسه من جديد إلى آفاق جديدة متحررا من السلطة إلى سلطة الضمير العام، وما بعد الأهرام كانت هناك مرحلتان، الأولى الكتب التى أصدرها ثم مقالات «وجهات نظر» حيث الاستطراد والتى تعبر عن فكر سياسى عن حدث جار مع التحليل العميق والتصورات الأوسع والانتقال بين الأفكار.

واستطاع الأستاذ الاحتفاظ بتوهجه وتفرده وتجدده فضلا عن بناء محكم للصورة المحيطة، وذلك لدرايته بالأدب والفن التشكيلى، وكلما مضى الزمن تعمقت رؤيته وحقق تراكما معرفيا موسوعيا، كما أنه حريص طوال لوقت على متابعة مجريات الأمور فى الداخل والخارج، وكان حين يفتح حوارا مع أى أحد تجده يسأل: «إيه الأخبار؟»، فضلا عن دقته الشديدة فى تحرى دقة الخبر والمعلومة، كما أنه بالغ العناية والحرص على التدوين، وكأنه يكتب محضرا لكل ما يشارك فيه بحوار أو ملتقى، فضلا عن غرامه بالوثائق، فهو لا يكتب من الذاكرة، بل إن كل كلمة وراؤها وثيقة ومستند، ويعرف كيف تقرأ الوثيقة وكل هذا دفعه للقمة مبكرا.

وها هو ترك الأهرام وها هو عبدالناصر قد رحل عن عالمنا منذ ما يقرب من 45 عاما، لكن كل ذلك لم يؤثر على المكانة الرفيعة والحضور المتجدد للأستاذ، حتى إن صحيفة الـ«واشنطن بوست» قد رصدته ذات مرة باعتباره أهم صحفى فى القرن العشرين «ذلك أن دوره تعدى دور الصحفى التقليدى»، وهو من بين الكبار الذين واصلوا تقدمهم، رغم تقدم العمر بهم، ومن هؤلاء أذكر نجيب محفوظ وبرتراند راسل وهنرى كيسنجر، وإذا كان الأستاذ يرى أن السنين تسبقنا، لكننا الآن نسرقها، لكن الله أراد له الهمة، ونتمنى له دوام هذه الهمة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية