عقب خروجه من السجن في 1981 كان بإمكانه أن يكتفي بما حققه من شهرة ومجد في عالم الصحافة والسياسة، وأن يتوقف عن استخدام حواسه ونشر تحليلاته وأفكاره، وأن يفوّت الفرصة على خصومه الذين يتصيدون له الأخطاء، لكنه فضّل البقاء، يراقب مجريات الأحداث من بلدته «برقاش»، ليطل علينا من حين لآخر بدقة وبلغة راقية عبر الصحف أو الفضائيات، يُحلل وينصح ويحذر، لكنه لا يعود إلى الظل دون أن يثير الخلاف، أو يصدم الأنظمة العربية.
يصف محمد حسنين هيكل نفسه دائمًا بـ«الجورنالجي»، ويحلو لتلاميذه ومحبيه تسميته بـ«الأستاذ». قال عنه هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: «تستطيع أن تعرف من خلاله كل شيء عن الشرق الأوسط لو التقيته»، واعتبره المؤرخ الفرنسي جان لاكوتور «الشخصية الأكثر إثارة للاهتمام في مصر المُعاصرة».
عندما يتحدث يُجبر الجميع على الاستماع إليه، وعندما يكتب تتهافت عليه دور النشر والصحف لنقل كلماته إلى القراء. شارك في صناعة السياسة المصرية لفترة طويلة، يمتلك ثروة من الوثائق المهمة، ويتمتع بثقافة واسعة، ولديه معارف بقادة صنعوا التاريخ، من خلالها، يقرأ الماضي، ويُحلل الحاضر، ويتحدث عن المستقبل.
«المصري اليوم» تحتفل بعيد ميلاد هيكل الـ92. لسنا من دراويشه أو جلاديه، لن نقيم له «محكمة تفتيش»، أو «حلقة ذكر»، نحاول فقط أن نُجيب: «من هو هيكل؟».
في أسرة برجوازية متوسطة تمتلك منزلًا مكون من 3 طوابق بحي الحسين، عاش الطفل «محمد» الذي جاء من زيجة ثانية لأب يقرأ ولا يكتب، في أجواء تشهدها مصر لأول مرة في تاريخها، إذ كانت السنة التي ولد فيها هي نفس السنة التي كُتب فيها أول دستور للبلاد عقب ثورة جمعت الشعب بكل طوائفه (1919). المزيد
بدون أي لون أو توجّه سياسي، بدأهيكلرحلته في «بلاط صاحبة الجلالة» في فبراير 1942، حينما التحق بقسم الحوادث في صحيفة «الإيجيبشان جازيت»، في وقت كانت فيه مصر مسرح مواجهات بين القوى العظمى، إذ كان الإنجليز في مواجهة الألمان بمعركة العلمين. المزيد
«تعلمهيكلمن أستاذه محمد التابعي، أن الصحفي يمكن أن يكون صاحب جلالة حقيقية، وملكًا يملك ويحكم دون أن يغادر مقعد رئيس التحرير، لأن الصحافة صاحبة جلالة فعلية مادام الفرعون لا يستغنى عن الكاهن، ولا يعيش دونه، فمن واجب الصحفي أن يرتقي بمهمته ومهنته من مجرد نشر الأخبار إلى المشاركة في صنعها».. يقول صلاح عيسى في كتابه «شخصيات لها العجب». المزيد