ظل يشاكس حتى قبل وفاته بساعات معدودة، وتحديدًا ساعتين بالتمام والكمال، تعوّد الكاتب الصحفى الكبير الراحل، على سالم، أن يرسل مقاله الأسبوعى لـ«المصرى اليوم» قبل موعده بـ24 ساعة.
ولم يتأخر الراحل يوماً، إلا لدواعٍ صحية، وكان عموده الأسبوعى المحدد يوم الأربعاء، يرسل بانتظام- منذ كتابته للجريدة- يوم الثلاثاء قبل الواحدة ظهرًا.
«المصرى اليوم» ترصد مشاكسة الكاتب الكبير وحبه ومعافرته للحياة، فقلمه لم يتوقف عن الكتابة حتى قبل رحيله، ليرسل آخر مقال كتبه أمس، الثلاثاء، فى تمام الواحدة إلا 3 دقائق، ظهرًا، لينتظر 3 دقائق فقط، أى تمام الساعة الواحدة ظهرًا، ويتصل هاتفياً ليتأكد من تسلم قسم الرأى لمقاله، ويستريح من عناء التفكير فى وصول المقال من عدمه، على البريد الإلكترونى المخصص لكُتاب الجريدة.
لم يعلم أنه سيستريح من عناء مرضه وانشغاله بقضايا المجتمع المتعددة، لم يكن يعلم أن ساعتين فقط تفصلانه عن عالم آخر.. 120 دقيقة أخيرة- بعد تأكده من وصول المقال- فى حياته، ويأتى القدر ليلفظ أنفاسه الأخيرة فى تمام الساعة الثالثة عصرًا.
كان «سالم» أثناء زياراته- التى تعد على الأصابع- لمقر الجريدة يدخل ويخرج فى صمت.. متواضعاً لدرجة أن أصغر المحررين إذا لمحه- مصادفة- يقدم سريعاً ومتلهفاً على مصافحته وهو جالس على كرسيه متكئًا على عصاه، ليفاجأ بالكاتب الكبير يقف على قدميه ليصافحه كأنه يعرفه منذ وقت ليس بقليل، لم يبخل مرة واحدة بعدم الرد على هاتفه على أى رقم مجهول، يتواصل مع الجميع، الصحفى المتدرب قبل رئيس التحرير.
حبه للحياة وقدرته على العطاء، جعلاه يحاول- جاهدًا وغير خجول من عمره- أن يواكب التكنولوجيا ويتعلم التواصل بحساب شخصى له على موقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك»، يشارك- من خلاله- قراءه مقالاته الصحفية، وكذا تطبيق الهواتف الذكية «واتس آب».
تعوّد قراء «المصرى اليوم» عامة، ومريدوه خاصة، على انتظار مقال الكاتب الراحل على سالم، الأسبوع تلو الآخر، ورغم اختلاف البعض معه لآرائه السياسية الثابتة على جذور لم تستطع أى رياح على اقتلاعها، إلا أن الكثير اجتمع على أنه لا يملك قلماً مثل غيره من النخبة، بل قلمًا يكتب بـ«ماء الذهب» وليس مجرد حبر عادى، استطاع أن يتربع به على عرش أسلوب «السهل الممتنع»، الذى تميز بسهولة مفرداته وسلاستها مع تركيزه على «التركيبة».
باغت سالم مريديه ومعارضيه بمئات المقالات الصحفية، التى ناقشت قضايا المجتمع السياسية والاجتماعية، حتى إن الجانب الاقتصادى لم يسلم من قلمه، والرياضى كذلك، مقاله الذى لا يتعدى الـ500 كلمة كانت بمثابة رصاصة الخلاص للكافرين برأيه، وطريق منير لماسكى «العصا من المنتصف»، وراية انتصار يرفعها قراؤه.
زيّن «سالم» لعدة سنوات، الصفحة الأخيرة لـ«المصرى اليوم» بمقاله الأسبوعى، ليرحل عن عالمنا تاركًا آخر «رصاصة» يطلقها لقرائه بعنوان «الحدوتة وقدرة الكلمات على الخداع»، وتاركا حياة كانت تحب «سالم» بقدر ما كان يعشقها.
واستهل «سالم» مقاله بالفقرة الآتية: «على الأرجح، حكيت لك هذه الحكاية عن الحق والباطل منذ أربعين عاما، كان الحق والزور يمشيان معاً، ربما تندهش لهذه العلاقة الغريبة، كيف ينسجم الحق مع الزور، الواقع أنهما يمشيان معا طوال الوقت منذ بدء الخليقة. بل إن البعض يقول إن كلاً منهما اكتسب ملامح الآخر من طول العشرة، ليل ونهار يمشيان معاً، قطعا السهول والوديان والصحارى، وكان يجب أن يأتى الوقت الذى يشعر فيه كل منهما بالتعب فقال الزور للحق: أنا تعبت.. وأنا أعرف أنك كريم تتحمل من أجل الآخرين، ولذلك أنا واثق أنك ستوافق على أن أركبك؟».