على مدار أعوام تخطت الخمسين، اعتاد كاتب مسرحي التنقل بين مرامي نيران اتهامات اختلفت بين «إفساد الجيل» و«التطبيع مع العدو»، بالتوازي مع وضعه في خانات أوصاف لشخصه تنوعت بين «إثارة الجدل» و«التناقض»، لازمته جميعها منذ عُرِفَ اسمه، على سالم، واشتهر في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى لحظة رحيله، عصر الثلاثاء الثاني والعشرين من سبتمبر للعام 2015، عن عمر ناهز 79 عامًا، بعد حياة اعتاد فيها ليس مواجهة التهم فقط، بل والرد عليها وتفنيدها.
لم يرتبط اسم «سالم» بما سبق من تهم وإثارة للجدل بسبب مواقفه من إسرائيل، بل ارتبط كذلك بإنتاج فكري مسرحي جعل منه أحد أهم كتاب المسرح المصري الذي خطا فيه داخل دربي التمصير والتأليف.
بدأت الرحلة الفنية لعلي سالم، ابن رجل الشرطة الدمياطي رقيق الحال، بتمصير مسرحية الفرنسي ألبير هورسون «طبيخ الملائكة»، التي أداها على المسرح الفريق التمثيلي الأشهر في الستينيات «ثلاثي أضواء المسرح»، لكن لم يكن الحظ وفيرًا ليكفل لها البقاء على خشبة المسرح طويلاً، للظروف السياسية المضطربة بسبب حرب الاستنزاف، والغريب أن «سالم» لاقى في تلك الفترة ردود فعل مهاجمة من زملائه المؤلفين، بدعوى «كيف يغامر، وهو المؤلف، ويمصر مسرحيات»، حسبما حكى في مقال له.
«حدث في عزبة الورد» كانت المسرحية التي بدأت بها علاقة مؤلفها سالم والثلاثي الكوميدي ثم توطدت العلاقة بعد «طبيخ الملائكة»، حد وصفه رحيل الضيف أحمد بقوله «شعرت بأن جزءا مني قد انهار».
يعزي إلى «طبيخ الملائكة» إظهار شغف «سالم» بالتمصير، وحرصه على عدم الخلط بينه وبين التأليف الذي كان يحدث في مسرح ذلك الوقت، الستينيات، بسبب محو الممصرين لاسم صاحب النص الأصلي، وهو ما دفعه للاشتراط على جورج سيدهم وقت انتاجها أن يضع اسم مؤلفها الفرنسي على «الأفيش» بينما يكتب فوق اسمه هو كلمة «تمصير».
أنتج على سالم، قبل وبعد التمصير، أعمالاً مسرحية في الفترة الممتدة بين الستينيات والسبعينيات، صنعت منه نجمًا، وكان أولها «ولاد العفاريت الزرق» التي كانت وسيلة انتقاله من الهواية للاحتراف، وتعامل مع مخرجين مسرحيين كبار منهم سعد أردش في مسرحية «الملوك يدخلون القرية» 1971، وجلال الشرقاوي في «عفاريت مصر الجديدة» 1965، وبعدها «أنت اللي قتلت الوحش» 1970.
على الرغم من غزارة الإنتاج المسرحي لعلي سالم، بواقع 40 مسرحية و15 كتاب ورواية عالج فيها قضايا سياسية واجتماعية وفكرية أثارت جدلاً حتى بين المثقفين أنفسهم، وعلى الرغم من وجود مسرحيات مهمة له مثل «الناس اللي في السما الثامنة» و«العيال الطيبين» و«الرجل الذي ضحك على الملائكة»، إلا أن «مدرسة المشاغبين» كانت النقطة الفارقة في صفحة «سالم» المسرحية، فهي التي استمر عرضها لأعوام وتحولت إلى فيلم سينمائي، وكانت بمثابة الإعلان عن ميلاد جيل جديد من النجوم الشباب، وهي كذلك التي جلبت على صانعها النقد والهجوم لأن «التلامذة بيقلدوا أبطالها، ويتطاولوا على الأساتذة»، وهو الادعاء الذي نفى عنه سالم المنطقية.
بجانب «مدرسة المشاغبين» تعرض سالم لهجوم مختلف في المضمون، ولكنه متشابه في الوسيلة، وهي استخدام نص خطته يداه للهجوم عليه، وذلك بعد انضمامه لمعسكر سماه ورفاقه «السلام»، بينما منحه مهاجموه «الناصريون والقوميون» اسمًا آخر هو «التطبيع» مع إسرائيل، حينها هوجم واتهم بجانب «التطبيع» بتهمة آخرى هي «التناقض»، حيث تساءل المهاجمون «كيف لمؤلف مسرحية (أغنية على الممر) التي أصبحت أحد أشهر الأعمال التي ترصد بطولات جنود مصر وتضحياتهم في سبيل دحر العدو الصهيوني، والذي طاف بها بعد النكسة المحافظات لعرضها على الجماهير أن يتحول ببساطة إلى صديق لذلك العدو».
وقت زيارة على سالم لإسرائيل، قرر اتحاد الكتاب شطبه، ليأتي حكم قضائي أعاده لقوائم كتاب الاتحاد الأعضاء، لكنه لم يكن كفيلاً بوقف الجدل الذي تواصل والهجوم الذي استمر، بينما «سالم» ثابت على قناعته أنه كتب «أغنية على الممر» من أجل مصر، وسافر إلى إسرائيل من أجل السلام».