أثار حديث الرئيس السيسى عن أن نصوص الدستور قد «وُضعت بحسن نية» جدلا حول احتمالات تعديل هذا الدستور. وأنا لا أجد غضاضة فى فكرة تعديل الدستور، ولا أتفق مع رأى البعض أن التعديل سيؤدى إلى «العبث» بالدستور، لأن الدستور بالفعل به العديد من النصوص «العبثية». ولكن السؤال الحقيقى هو: أى تعديلات نحتاجها؟ لو اقتصر الأمر على بعض مواد تتعلق فقط بسلطات الرئيس فإن ذلك سيؤدى إلى مزيد من التشويه للدستور الحالى.
المعضلة الأساسية التى تواجه الدستور تتعلق بنظام الحكم الذى يتبناه، وهو ما يسمى بالنظام «شبه الرئاسى» الذى يجمع بين منصبى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، والذى أخذنا فكرته من فرنسا.
التطبيق المصرى لهذا النظام يعانى من ثلاث مشاكل رئيسية:
الأولى: أن كافة الدساتير المصرية فى مرحلة ما بعد ثورة 23 يوليو 1952 فضلت هذا النظام، انطلاقا من عدة افتراضات، منها أنه يسمح بإنشاء منصب لرئيس الوزراء يمكن أن يتولاه شخص ذو خلفية مدنية بجانب الرئيس ذى الخلفية العسكرية، كما أنه أتاح استخدام رئيس الوزراء ككبش فداء يمكن التضحية به عند الأزمات. يضاف لذلك أن تطبيق هذا النظام ارتبط بوجود التنظيم السياسى الواحد، أو الحزب المهيمن لرئيس الجمهورية، ولم يكن هناك أى تصور أن رئيس الوزراء يمكن أن يأتى من حزب آخر. المشكلة فى الافتراضات السابقة أنها لم تعد ملائمة للمرحلة الحالية، وتتناقض مع الفلسفة التى يقوم عليها النظام شبه الرئاسى.
المشكلة الثانية تتعلق بأننا تجاهلنا عناصر رئيسية يقوم عليها هذا النظام، ومنها تحقيق التوازن بين الرئيس والحكومة، فالرئيس فى فرنسا يعين الحكومة ولكنها بالضرورة حكومة الأغلبية بالبرلمان، وليس له سلطة إقالة الحكومة إلا إذا قرر رئيس الوزراء الاستقالة.
المشكلة الثالثة: أننا لا ندرك حجم التطور الذى دخل على هذا النظام فى الدول الأخرى. فقد وجدت فرنسا أن هذا النظام أدى للتصارع بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فى الفترات التى كان فيها رئيس الجمهورية ينتمى لحزب، ورئيس الوزراء لحزب آخر له أغلبية فى البرلمان. لذا تبنت تعديلا دستوريا عام 2000، أدى لتوحيد فترة الرئاسة والبرلمان (خمس سنوات)، وجعل موعد الانتخابات البرلمانية قريبا من الانتخابات الرئاسية، بحيث إذا فاز رئيس الجمهورية من حزب معين يمكن أن تمتد نفس موجة التأييد لانتخابات البرلمان ويفوز حزبه بالأغلبية، وبالتالى يختار رئيس الوزراء من نفس حزبه.
هذا التحول جعل النظام الفرنسى يقترب أكثر من الشكل الرئاسى، وأعطى تعديلات دستورية أخرى عام 2008 لرئيس الجمهورية بحق مخاطبة البرلمان والحديث مباشرة أمامه، وهما ملمحان من النظم الرئاسية. ولكن فى المقابل مُنحت سلطات جديدة للبرلمان، منها الموافقة على عدد من التعيينات التى يقوم بها الرئيس، واشترطت إبلاغ البرلمان خلال ثلاثة أيام بأى عمليات عسكرية فى الخارج تشارك فيها قوات فرنسية، وضرورة موافقة البرلمان على العمليات العسكرية التى تمتد لأكثر من أربعة أشهر.
الخلاصة هى أن أى تعديل للدستور يجب أن ينطلق من رؤية متكاملة لشكل النظام السياسى، وأن يستند إلى العلم والخبرة الدولية، وليس الاختراعات وأسلوب القص واللزق، وما أتعس أمة يصبح الجهل فيها هو سيد الموقف.