x

د. ياسر عبد العزيز وماذا عن القدس؟ د. ياسر عبد العزيز السبت 19-09-2015 21:10


لعلك لاحظت أن كثيرين من المواطنين المصريين والعرب باتوا أقل اهتماماً بالقضية الفلسطينية مقارنة بأوقات ما قبل «الثورات».

يخوض الفلسطينيون معركة فى القدس راهناً ضد السلطات الإسرائيلية التى تعتدى عليهم وتقمعهم وتقتحم الأماكن الإسلامية المقدسة، لكن العرب منشغلون بهمومهم المباشرة وأقل اهتماماً بما يجرى فى الأراضى المحتلة.

يلعب الإعلام دوراً مؤثراً فى هذا الصدد؛ إذ تراجعت القضية الفلسطينية إعلامياً بشكل ملموس وواضح، فى كل من الإعلام العربى والدولى، وهو أمر يكبد تلك القضية خسائر كبيرة، ويعرقل تحقيق أهداف الشعب الفلسطينى فى الاستقلال والكرامة.

هناك دلائل واضحة على تراجع القضية الفلسطينية إعلامياً على الصعيد العربى. يكفى فقط أن تقرأ عناوين الصحف اليومية الإقليمية أو المحلية فى أى بلد عربى، أو أن تشاهد نشرات الأخبار الرئيسة، أو أن تقرأ المجلات والدوريات، أو أن تستمع إلى الأغانى والأشعار، لتكتشف على الفور أن نسب معالجة القضية الفلسطينية فى تلك المجالات تتراجع باطراد، وتضيق المساحات المخصصة لها بوتيرة متسارعة.

كان المغرب العربى ذا اهتمام تقليدى بالقضية الفلسطينية؛ وهو اليوم مشغول إعلامياً بقضايا تخص التحولات السياسية الحادة فى أعقاب ما سُمى «الربيع العربى».

لن يكون بوسع ليبيا أن تركز إعلامياً فى أى شأن سوى تحلل مؤسسات الدولة بها، والصراع بين الجماعات الإسلاموية التى تسيطر على السلطة فى طرابلس فى مقابل الحكومة والبرلمان الشرعيين فى شرقى البلاد، إضافة إلى الخطر «الداعشى»، والاستقطاب الدولى، والتدخلات الإقليمية.

أما مصر فهى أكثر انشغالاً بذاتها من أى وقت مضى. وفى الوقت الذى يفقد إعلامها فيه الاتجاه، ويراوح بين محتوى سياسى متشنج وغارق فى الانحياز ومحتوى ترفيهى منفلت وغارق فى السوقية، لا تجد القضية الفلسطينية مساحات مناسبة لمقاربتها ومعالجة شؤونها.

فإذا انتقلنا إلى السودان، وقد كان مناصراً تقليدياً للقضية الفلسطينية، لوجدنا اهتماماً أكبر بالشأن الداخلى فى ظل تحديات كبيرة، أدت إلى خفوت صوت المناصرة للقضية الفلسطينية فى الإعلام السودانى بشكل واضح.

أما المشرق العربى، فحدث ولا حرج. فسوريا تتمزق تحت نيران حرب أهلية مدمرة، وضعت الشعب السورى فى أجواء مأساة لا تقل كارثية عن تلك التى مر بها الشعب الفلسطينى.

ومازال لبنان ضحية للتجاذب الذى أقعده أكثر من عام عن انتخاب رئيس، فضلاً عن اندلاع التظاهرات فيه ضد النخبة الحاكمة، فى وقت يلتبس فيه العنصر الفلسطينى بين كونه قضية عربية عادلة من الواجب مناصرتها إعلامياً، وبين كونه مشروعاً للاستقطاب والتجيير السياسى فى الصراع الداخلى.

سيكون العراق طبعاً بعيداً لسنوات طويلة عن القدرة على تسخير أى طاقة لموضوع ذى طبيعة قومية بسبب الانهيار الحاصل فى هذا البلد؛ أما دول الخليج العربية المعروفة تقليدياً بمساندتها القوية للقضية الفلسطينية وخصوصاً على الصعيد الإعلامى، فإن «عاصفة الحزم»، والصراع مع إيران، وبعض المشكلات الداخلية تأخذها بعيداً شيئاً فشيئاً عن تلك القضية المركزية، ولا تسمح لها بإفراد المساحات المناسبة إعلامياً لمعالجتها ضمن وسائل إعلامها.

وفى المقابل، فإن اليمن يعانى مأساته الذاتية؛ وهى مأساة أكبر من أن تمنحه رفاهية الحديث عن الفلسطينيين وأوجاعهم.

ورغم الانحياز المنهجى الإعلامى الغربى للجانب الإسرائيلى فى تغطية أنباء الصراع بين العرب والدولة العبرية، فإن بعض المنابر دأبت على نقل الوقائع بقدر أكبر من النزاهة والموضوعية، مما عزز الموقف الفلسطينى فى الرأى العام العالمى.

لكن هذا الأمر أيضاً أخذ فى التناقص، بعدما هيمنت صورة الطفل السورى الغريق «إيلان» على التصور الغربى عما يجرى فى الشرق الأوسط، وسحبت الاهتمام عن القضية الفلسطينية.

القضية الفلسطينية، قضية العرب المركزية الأولى، كما يقال منذ عقود، لكن تلك القضية تتراجع إعلامياً كلما كان وجود الدولة الوطنية العربية نفسه مهدداً، أو حينما تخوض تلك الدولة العربية صراعاً مع طرف آخر غير الطرف الإسرائيلى.

إن تراجع الاهتمام الإعلامى بالقضية الفلسطينية يفقدها قدراً كبيراً من الزخم الذى يحتاجه الشعب الفلسطينى لاستعادة حقوقه المسلوبة، وهو أمر يجب أن نساعده جميعاً فى الوصول إليه، مهما كانت أمورنا صعبة ومشكلاتنا كبيرة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية