وأخيراً، ها نحن نأتى إلى ساحة الانتخابات. ندخلها مندفعين بعد مماطلات وترتيبات غير حكيمة وبدون ضمانات تكفل شفافية حقيقية وديمقراطية فعلية. فالديمقراطية كما صرخنا أكثر من مرة لاتعرف لنفسها وجوداً إلا في ظل التكافؤ. وبلا تكافؤ تبقى الديمقراطية مسخاً مشوهاً، وهكذا ستجرى الانتخابات في ظل ديمقراطية قد نسميها ناقصة أو مشوهة أو مقيدة أو مستبدة أو هي مجرد استبداد ديمقراطى. والآن وبعد أن استقر بنا الحال على انتخابات لا نصيب فيها للفقراء [ 45% من السكان رسميا] ترشيحا وإنما لهم نصيب فيما يلتقطونه من عطايا سلعية [زيت – سكر – لحوم – شاى – فراخ.. إلخ] أو ثمن لصوت انتخابى ستجرى المضاربة على سعره عبر المنافسة بين كبار المليارديرات الذين سينعمون على صبيانهم بملايين عديدة يبعثرونها في سوق النخاسة الانتخابية وأراهن من الآن أن الصوت سيصل سعره إلى عشرة آلاف جنيه أو أكثر. ومن الآن أنا لا ألوم فقيراًَ حرموه من حق الترشح ومن الخبز ومن العدل الاجتماعى إذا قبل الصفقة.
ورغم أننى أدعو وبإلحاح لإنجاز خارطة الطريق حتى يستقر حالياً وحتى يكف العالم خصوما وأصدقاء عن معايرتنا فإننى لم أزل عاجزا عن أن أكتم امتعاضى مما كان وما سيكون. وأعود فأكرر.
■ رسم الترشيح 3000 جنيه – الكشف الطبى 2850 – الكشف الطبى التالى 2850 جنيها = 8700 جنيه. والدستور يعطى للمواطنين جميعا حق الترشح. ولجنة الانتخابات تمنع من لا يمتلك 7500 يدفعها فوراً ومقدماً أي حوالى 60% من السكان من حق الترشح.. وتعالوا نرسم علامة استفهام وعشر علامات تعجب.
■ وسقف الإنفاق للفرد نصف مليون ولا حساب ولا مراجعة ولا محاسبة لو أنفق شوالات من الملايين.
■ والإعلام يكرس نفسه لأصحاب الدكان فالصحف والفضائيات متاحة لمن يمتلك أو لمن يدفع وفقط. وعلامة تعجب إضافية.
■ ثم هناك ما أسميه القوائم المستبدة. قوائم تستدعى أسرى حرب تضعهم أو لا تضعهم ولا يعرفون حتى الساعات الأخيرة هل سيدخلون جنة القائمة أم جهنم الاستبعاد. ونسأل من يقرر! فلا نعرف. الجميع يغسلون أيديهم وينتقدون ويلعنون ويسربون غضباً واشمئزازاً لكنهم ويا للدهشة يقبلون في نهاية الأمر جواز المرور للجنة. وتكون المأساة إذ نكتشف أن هذه القائمة المستبدة قد احتجزت لديها أوراق ترشيح موهمة صاحبها أنه مرشحها على القائمة ولم ترشحه وامتنعت عن تسليمه أوراقه في آخر لحظة لتمنعه من حق الترشح على المقعد الفردى منافساً مرشحها في أسوان.
■ والمادة 74 من الدستور تحظر الممارسات السياسية على أساس دينى وتحظر قيام حزب سياسى بمرجعية دينية ولدينا عشرة أو أكثر من هذه الأشياء تزينها لحى وطواقى وزبيبة صلاة مصنوعة، ومسابح يرتل عليها أصحابها مصالحهم الذاتية، واللجنة العليا للانتخابات مستسلمة في استرخاء مزعج. وهذه الأحزاب غير الدستورية وغير القانونية بل وغير المعبرة عن صحيح الإسلام. بل هي تتبنى ما سماه الإمام محمد عبده الإسلام الزائف وما يسميه المعاصرون التأسلم، تخدع الناس بادعاءات ظاهرها الإسلام وباطنها التأسلم وتشترى ولاءهم وأصواتهم بكراتين من الأغذية وبسيول من الأموال دون أن تجد اللجنة العليا للانتخابات أي مبرر للسؤال الملح والذى يكشف المستور.. من أين هذه الأموال؟ ولا مجال لبحث مدى قانونية هذا الشراء العلنى للذمم والولاءات والأصوات وهو ما يحظره القانون.. وتحتاج لعلامات تعجب بلا حدود. وهكذا فإننى أمتلك الجسارة لأقول إن الدستور والقوانين عندنا مودعة في أجزاخانة الحكم وممنوع تحويلها إلى أمر واقع وإنما هي آليات للمباهاة وليس للتفعيل. وأن الانتخابات سوف تجرى فيما يشبه التصويت الحر والشفاف وتحت رقابة أو متابعة دولية مفتحة الأعين وبإشراف قضاة محترمين يدققون في كل بصمة وكل توقيع وكل تصويت. ومع ذلك أتجاسر فأقول ما هذه بشفافية وماهذا بتكافؤ وماهو بديمقراطية.. وإنما «يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً».. والويل لنا من برلمان يسوده صبية المليارديرات ولحى المتأسلمين، ومن يعش ير.