x

اخبار «يارا سلام» انكسار شاعر اخبار الخميس 17-09-2015 21:05


سامح فاروق جويدة ـ يكتب:

وقفت أنتظر.. قالوا ستخرج لك الآن. ارتكنت على الجدار وعينى على الباب العملاق المتهالك أنتظر طلتها المضيئة. كنت وحيدا رغم مئات المتزاحمين حولى،، أصواتهم عالية متداخلة يغلبها الأسى والتنهد وأحيانا البكاء. أهرب من بؤسهم فترتطم عينى بالجدران. كم هى متسخة رمادية كئيبة. بالتأكيد تلونت بدموع من فيها. نعم هى حاصرت الآلاف من المجرمات والداعرات والقاتلات، ولكن من قال إنهن لا يعرفن البكاء. ثم إن بينهن الكثير من المظلومات المقهورات اللاتى لا يعرفن سبيلا غير الدموع والدعاء. مثل ابنتى.. صغيرتى يارا، ضحكتى السابقة، وهم عمرى الآن.

آاااه من كان يوما يصدق أن أقف هنا أنتظرها على أبواب السجون وبداخلى هذا البركان من اللهفة والحسرة والخجل. اللهفة لرؤيتها والحسرة عليها والخجل منها. لا يوجد ألم فى الدنيا أشد من أن تخجل من ابنتك. لا يوجد أقسى من أن تنظر فى عينيها وهى تغرق وأنت عاجز مكبل لا تستطيع أن تنقذها أو حتى تمد إليها يديك. كيف أوجه طفلتى بعد أن سقطت أفكار فطرتها البريئة واحترقت صورتى القديمة وعرفت أن أباها ليس أقوى إنسان فى الأرض، بل مجرد ذليل فى وطنه، أضعف من أن يحميها من القهر، عاجز عن أن يرفع عنها الظلم، مكبل مثلها بأغلال الخوف والصمت والأوثان البليدة.. ستدخل علىّ الآن صغيرتى مذعورة ترتمى فى صدرى تعتصرنى بذراعيها الرقيقتين وتخفى وجهها عند قلبى من الخوف. عيناها تتوسلان لعينى، لا تريد أن تخرج منى وسأموت كى تبقى فى حضنى. ولكن دقائق وينتزعها السجان منى.

«يارتى» الصغيرة فى العشرين كانت تحلم بوطن جميل، بشعب كريم، بحكام يصونون أرض النيل. كانت تحلم بأن تغمر مصر نسمات الحرية، أن تقف شامخة هى وأبناء جيلها يجادلون الحاكم فى ديمقراطية. لم تحلم الصغيرة بالمال أو بالمناصب أو حتى مثل الملايين فى سنها بالزواج والأسرة والعيال. كانت تريد الوطن. كانت تعيش فقط لهذا الأمل. درست القانون وتخصصت فى حقوق البشر. صرخت فى وجه مبارك: فرق كبير بين أن تحكم شعبا وأن تقود قطيعا من البقر. كانت من أجمل ما أنبتت ثورة يناير، زهرة نيلية ينساب عبيرها فى كل الأماكن. ظلت تدعو لسنين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، لم تصمت خوفا من الإخوان ولم يرعبها سلاح الحكام ولم تخدعها القصص الوهمية. والآن تدفع الثمن. اعتقلوا الصغيرة لأنها نادت بحق التظاهر وإعلان الغضب، بحق الشجب بلا شغب، أخذوا الصغيرة مثل الرعاع والأوباش، قالوا بأنها تكدر صفو الوطن وتحطم أملاك الوطن وتثير أمن الوطن.. عن أى وطن يتكلمون ويحكمون على الصغيرة زيفا بكل هذا الجرم والإثم ويقتلون أعوامها بالألم. وأنا بصمتى عاجز لا أمتلك إلا الأنين بالقلم. فلا كنت يوما قريبا من السلطان ولا هرولت لأصحاب المناصب والرتب، كنت أظن أن الفنان والشاعر صولجانه فى الكلمات وحب البسطاء ونبل المشاعر.. والآن أدفن فرحتى خلف جدران السجون. أنتظر طفلتى بين أهل المجرمين والقتلة.. جئتها خالى الوفاض لا أحمل إلا الكلمات وقلة حيلتى وبعض أبيات أشعارى علها تؤنسها أو تعطيها بعض الأمل.. ولكن هل يوجد أمل فى قسوة هذا الوطن!!..

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية