يعتبر الدستور أهم وثيقة تنظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويؤسس على مبادئ العدل والمساواة، ويقول الفليسوف الفرنسي، جان جاك روسو في «العقد الاجتماعي»، إنه «في حال غياب العدل تصبح الدولة في حكم المفقودة»، وغالبا ما ينتج صراعًا بين قوى المجتمع إبان فترات كتابة الدساتير بغية فرض سيطرة طرف ما، ولكن الدساتير لا تعرف الغلبة لطرف على حساب الآخر، وتكمن كلمة السر في التوافق، ومحاولة إيجاد «حلول وسط» بين القوى المتصارعة على السلطة.
ومر على الدستور المصري، عدة مراحل بدءً من دستور 1923 عقب ثورة 1919، ودستور 1930، وبموجبه منحت حكومة إسماعيل صدقي صلاحيات واسعة للملك، عكس الدستور السابق، ثم دستور ثورة يوليو، فيما عطل العمل بدستور «الوحدة» بين مصر وسوريا، وصدر دستور 1971، وطرأ عليه عدة تعديلات، أولها في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وخلفه حسني مبارك، ومن بعده الإخوان المسلمين، ومؤخرا فتحت تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، عن «دستور 2014» الباب لإمكانية إجراء تعديلات دستورية مقبلة.
وقال الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال افتتاحه أسبوع شباب الجامعات في جامعة قناة السويس: «إن الدستور الحالي وضع بنوايا حسنة، والبلد لن يبنى بالنوايا الحسنة».
التعديلات الدستورية كما تخبرنا دروس التاريخ لم يستفد منها صاحبها، فالرئيس أنور السادات قبل شهور من ترشحه لفترة رئاسية جديدة اغتاله متطرفون في «حادث المنصة» الشهير، وبالمثل قامت ثورة 25 يناير ليفقد مبارك منصبه ويحال ونجليه وكبار وزرائه للمحاكمة، ولم يستفد من التعديلات التي أدخلها على الدستور، وكذلك لم يمكث أنصار جماعة الإخوان في الحكم أكثر من عامًا بعد دستور 2012.
في أوائل عام 1980 قدمت السيدة فايدة كامل، عضو مجلس الشعب، اقتراحا بتعديل المادة 77 من الدستور، يسمح للرئيس السادات بأن يبقى رئيسا للجمهورية لمدد غير معلومة، وكانت المادة 77 تنص على أن مدة رئيس الجمهورية 6 سنوات ويجوز أن تجدد لمدة واحدة أخرى.
فجاء طلب التعديل بإلغاء حرف الهاء من كلمة مده واستبدالها بحرف الدال فيصبح التجديد لمدد أخرى.
وجاءت نتيجة الاستفتاء «نعم» للتعديلات الدستورية بـ 11 مليون صوتًا، فيما رفض التعديلات 60 ألف شخصًا.
وبعدها وصف السادات الرافضين للتعديلات بـ«العناصر الشاذة»، حسبما قال في كلمته التي ألقاها في سبتمبر 1981، أي قبل اغتياله بشهر.
وفي أكتوبر 1981 أثناء الاحتفال بذكرى انتصار حرب أكتوبر على إسرائيل، اغتال متطرفون السادات على المنصة، ولم يستفد الرئيس الراحل من التعديلات التي أجراها ليصبح رئيسا للجمهورية لمُدد غير محددة.
وفي نهاية 2006 أرسل الرئيس الأسبق حسني مبارك، طلبًا إلى مجلسي الشعب والشورى لإجراء تعديلات على الدستور تتضمن 34 مادة، ووضع شروطًا دستورية «مجحفة» تنطبق عليه وعلى ابنه جمال مبارك فقط، ما وصف حينها من قبل المعارضة بـ«تمهيد الطريق لتوريث السلطة إلى جمال مبارك»، ووافق مجلس الشورى في 13 مارس 2007، ومجلس الشعب في 19 مارس 2007 بالأغلبية على التعديلات الدستورية المطروحة.
وفى 26 مارس 2007، أُجرى الاستفتاء على التعديلات ووافق عليها الشعب بنسبة بلغت 75.9%، في يوم وصف من قبل معارضين بـ«الثلاثاء الأسود»، عقب حالات تحرش بناشطات أمام اللجان الانتخابية.
ونصت المادة 76 من الدستور، بعد التعديل: «ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السري العام المباشر..
ويلزم لقبول الترشيح لرئاسة الجمهورية أن يؤيد المتقدم للترشيح مائتان وخمسون عضوا على الأقل من الأعضاء المنتخبين لمجلسى الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، على ألا يقل عدد المؤيدين عن 65 من أعضاء مجلس الشعب وخمسة وعشرين من أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبى محلى للمحافظة من أربع عشرة محافظة على الأقل..
ويزداد عدد المؤيدين للترشيح من أعضاء كل من مجلسى الشعب والشورى ومن أعضاء المجالس الشعبية المحلية للمحافظات بما يعادل نسبة ما يطرأ من زيادة على عدد أعضاء أي من هذه المجالس، وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يكون التأييد لأكثر من مرشح، وينظم القانون الإجراءات الخاصة بذلك كله..
ولكل حزب من الأحزاب السياسية التي مضي على تأسيسها خمسة أعوام متصلة على الأقل قبل إعلان فتح باب الترشيح، واستمرت طوال هذه المدة في ممارسة نشاطها مع حصول أعضائها في آخر انتخابات على نسبة (3%) على الأقل من مجموع مقاعد المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري، أو ما يساوي لك في أحد المجلسين، أن يرشح لرئاسة الجمهورية أحد أعضاء هيئته العليا وفقا لنظامه الأساسي متي مضت على عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة على الأقل..
واستثناء من حكم الفقرة السابقة، يجوز لكل حزب من الأحزاب السياسية المشار إليها، التي حصل أعضاؤها بالانتخاب على مقعد على الأقل في أي من المجلسين في آخر انتخابات، أن يرشح في أي انتخابات رئاسية تجري خلال عشر سنوات اعتبارا من أول مايو2007، أحد أعضاء هيئته العليا وفقا لنظامه الأساسي متي مضت على عضويته في هذه الهيئة سنة متصلة على الأقل».
ولم يستفد مبارك ولا نجله من التعديلات، وقامت ثورة 25 يناير، وتنحى مبارك عن الحكم، وسُجن نجليه علاء وجمال.
وجاءت جماعة الإخوان على رأس السلطة التنفيذية بعد فوز محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، يونيو 2012، ولم تتعلم الدرس وحل عليها أيضا «لعنة الدستور»، وبعدما سيطروا على مفاصل الدولة، فعطلوا دستور 1971، وكتبوا دستور جديد لمصر في 2012، وبعد عام من الحكم قامت ثورة 30 يونيو 2013.
وعُزل محمد مرسي في يوليو 2013، وقبُض على قيادات جماعة الإخوان، باتهامات تتعلق بالتخابر واستخدام العنف.
وفي يناير 2014، صدر دستور مصر بجمعية تأسيسة برئاسة السياسي العجوز عمرو موسى، وعضوية عدد من نشطاء المجتمع المدني وما يعرف بـ«القوي المدنية»، ومنح صلاحيات كبيرة للبرلمان على حساب الرئيس، في نظام «شبه برلماني»، وحمل توقيع المستشار عدلي منصور، رئيس الجمهورية السابق، إلا أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه انتقادات له، وقال «دستور 2014 كتُب بالنوايا الحسنة والدول لا تبنى بالنوايا».
وأصدر الرئيس عدلي منصور في سبتمبر 2013 قراراً جمهورياً بتشكيل لجنة الخمسين التي ستتولى المرحلة الثانية من تعديل الدستور وكتابته بشكل نهائي، وضمت في تشكيلها شوقي علام، مفتي الديار المصرية، المستشار محمد عبدالسلام، المستشار القانوني لشيخ الأزهر، عبدالله مبروك النجار، الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، والكنيسة الأنبا بولا، أسقف طنطا وتوابعها، الأنبا أنطونيوس عزيز مينا، عن بطريركية الأقباط الكاثوليك، وصفوت البياضي، الطائفة الإنجيلية، ومحمد عبدالعزيز تمرد، أحمد عيد ائتلاف شباب الثورة جبهة 30 يونيو، محمود بدر تمرد، عمرو صلاح ائتلاف شباب الثورة جبهة 30 يونيو، ومحمد سلماوي، رئيس الاتحاد الكتاب، وخالد يوسف، المخرج السينمائي، ومحمد عبلة، الفنان التشكيلي، والشاعر سيد حجاب، جبالي المراغي، رئيس الاتحاد العام للعمال، أحمد خيري، رئيس الاتحاد القومي.
كما ضمت: محمد عبدالقادر، نقيب الفلاحين العام، ممدوح حمادة، رئيس مجلس إدارة الاتحاد التعاوني، وسامح عاشور، نقيب الفلاحين، وخيري عبدالدايم، نقيب الأطباء، وأسامة شوقي، رئيس نقابة المهندسين الفرعية بالقاهرة، وضياء رشوان، نقيب الصحفيين السابق، وإلهامي الزيات، رئيس الاتحاد المصري للغرف السياحية، وعبلة محي الدين عبداللطيف، مستشار وزارة الصناعة، وأحمد الوكيل، ومحمد مصطفى بدران، رئيس اتحاد الطلاب، وطلعت عبدالقوي، نائب رئيس الاتحاد العام للجمعيات، والسفيرة ميرفت التلاوي، رئيس المجلس القومي للمرأة، وعزة محمد سعيد العشماوي، منى ذوالفقار، أحمد محمدين، رئيس جامعة قناة السويس، وحسام المساح، اللواء محمد مجدالدين بركات، اللواء على محمد عبدالمولى، مساعد الوزير لشؤون القانونية، وبسام الزرقا، نائب رئيس النور، كمال الهلباوي، القيادي الإخواني السابق، السيد البدوي، رئيس حزب الوفد، محمد أبوالغار، رئيس الحزب المصري الديمقراطي، وحسين عبدالرازق، نائب رئيس التجمع، محمد سامي، رئيس حزب الكرامة، مجدي يعقوب، عمرو موسى، عبدالجليل مصطفى، جابر جاد نصار، عمرو الشوبكي، سعدالدين الهلالي، هدى الصدة، محمد غنيم، حجاج أدول، مسعد أبوفجر.
وأعلنت اللجنة العليا للانتخابات، المشرفة على عملية الاستفتاء على مشروع دستور 2014، أن أكثر من 19 مليون ناخب صوتوا بـ«نعم» في الاستفتاء على الدستور، أي بنسبة 98.1%، فيما اعتبر المستشار نبيل صليب، رئيس اللجنة، أن مشروع الدستور حصل على موافقة شعبية غير مسبوقة، مشيراً إلى مشاركة أكثر من 20 مليون مواطن في الاقتراع، بنسبة 38.6% من إجمالي المقيدين بقاعدة الناخبين، وعددهم حوالي 53 مليوناً ونصف المليون ناخب.
وبلغ عدد الموافقين على مشروع الدستور 19 مليوناً و985 ألفاً و389صوتاً، فيما رفضه 381 ألفاً و341 ناخباً صوتوا، أي بنسبة 1.9%. أما عدد الأصوات الباطلة فبلغ 246 ألفاً و947 صوتاً.
وأشار «صليب» إلى إشراف 15 ألفاً و560 قاضياً على عملية الاستفتاء، بمعاونة 116 ألفاً و918 من العاملين، مذكّراً بأن الاستفتاء جرى من خلال 352 لجنة عامة و30 ألفاً و317 لجنة فرعية و146 لجنة للوافدين.
ويدعو الآن عدد من الإعلاميين من داعمي السلطة الحالية إلى تعديل الدستور، بعد تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال لقائه الشباب في أسبوع شباب الجامعات بجامعة قناة السويس، وقال مصطفى بكري، إن الدستور الحالي قد يدفع مصر لتكرار السيناريو اللبناني أو العراقي، من خلال المادة 146 من الدستور والتي توضح طريقة اختيار رئيس الجمهورية لرئيس الحكومة وطرحه على البرلمان.
وقالت المستشارة تهاني الجبالي، منسق عام قائمة التحالف الجمهورى للقوى الاجتماعية، أن فكرة الإصلاح الدستورى مطروحة دائما في حياة الشعوب، خاصة خلال المراحل الانتقالية والتأسيسية، باعتبار أن الدستور في هذه المراحل يكون مؤقتاً وليس دائماً، وتكون مهمته إصلاح الاختلال في موازين القوى.
وأعلنت «الجبالى» أن التحالف الجمهوري للقوى الاجتماعية سوف يقدم أموراً محددة، مرتبطة ببرنامجه السياسي، تتعلق بتعديل مواد في الدستور.
فيما أعلن أحمد الفضالي، المنسق العام لتحالف قائمة «مصر»، إن المجلس الرئاسى للقائمة قرر اختيار «هنغير الدستور» شعاراً لحملته الانتخابية.