x

عبدالعظيم درويش «نُص كوب» ساويرس..! عبدالعظيم درويش الجمعة 11-09-2015 21:22


بالتأكيد لم يخدعنا موروثنا الثقافى «الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة».. فلا أحد – سواء منصف محايد أو من بين محترفى إطلاق الاتهامات – ينزع عن مبادرة رجل الأعمال الأشهر المهندس نجيب ساويرس- باستعداده شراء جزيرة يونانية أو إيطالية لتوطين المهاجرين من الأشقاء السوريين الفارين من جحيم ما يحدث فى إقليمنا الشمالى – طبيعتها الإنسانية التى تعكس تعاطفا آدميا فجرته صورة جثة الطفل «إيلان» وهو يرقد فى هدوء تام واستكانة واضحة على رمال أحد الشواطئ التركية ربما انتظارا لشقيق يكبره بعام واحد وأمه ليصحباه إلى السماء بعد أن غرقوا فى مياه البحر ضمن ركاب أحد قوارب الموت فى رحلة هجرة غير شرعية فرارا من الموت على أرض بلاده التى طحنها صراع دموى يدعى جميع أطرافه أن كلا منهم على حق بما فيهم حتى الإرهابيين..!

وبالرغم من أن نصيب «إيلان» فى الدنيا كان مجرد ثلاث سنوات فقط فإنه بالتأكيد سيظل عالقا فى أذهان العالم وضميره المرتبك لعشرات العقود شاهدا على غياب كل معانى الإنسانية وحالة «البكم والصمم والعمى والشلل» التى أصابت ذلك العالم فلم ير أو يسمع عن تلك المأساة التى يعيشها السوريون قبل نحو 5 سنوات وبالتالى لم ينطق أو حتى يصرخ أو يتحرك لوضع حد لتلك المأساة الدرامية..!

وإذا كان البعض يرى أنه من الصعب أو المستحيل تطبيق مبادرة «ساويرس» على أرض الواقع على الرغم من أنه أبدى استعداده لبناء بنية تحتية «مدارس ومستشفيات وهيئات حكومية ومدن سكنية ومرافق وفرص عمل» لإعاشة اللاجئين السوريين، فإن واقع الحال يؤكد أن هذه المبادرة «حسنة النية» هى أول الطريق تجاه «جهنم»..!

فإذا استسلمنا لمعنى «الإنسانية» الذى تترجمه هذه المبادرة وهو «النصف المملوء من كوب ساويرس»، فإن النصف الثانى منه ينبئ بضياع قضية الشعب السورى لتلحق بسابقتها «القضية الفلسطينية» التى خرجت ويبدو أنها لن تعود فى المستقبل القريب على أقل تقدير وسط حالة الضياع التى أدمن العالم العربى أن يعيش فى ظلها..!

وإذا كان الحل السهل لقضية أى شعب يعانى صراعا مسلحا ومدمرا هو تهجيره إلى أى مكان آخر ليعيش فى سلام وأمان رغم أن ذلك الأمر يحمل فى طياته ضياعا محققا لقضيته واستنساخا لـ «سايكس بيكو» من جديد..! فإن الحل الأسهل هو ضرورة البحث جديا عن حل واقعى لأزمة الصراع الدموى من خلال مفاوضات حقيقية تجمع أطرافها المختلفة دون أن يوكل إلى «الاقتتال» وحده مهمة إنهاء هذا الصراع حفاظا على هوية وتاريخ ومستقبل شعب.

وإذا كان من الممكن التغلب على مشاكل جمة تعترض تنفيذ تلك المبادرة وتتعلق بالإجابة عن أسئلة «أى علم دولة سيُرفع عليها.. وأى هوية ستتبعها.. وأى أنظمة تعليمية ستطبقها.. وغيرها الكثير» فإن السؤال الأهم هو من سيضمن للشعب الشقيق الحفاظ على هويته ووطنه وهو يعيش على بعد مئات من الكيلومترات منه؟!

القضية إذن ليست فى تهجير الشعوب وإلا كان من الأولى حل القضية الفلسطينية التى أصابتها الشيخوخة «وقرح الفراش» لطول «رقدتها» على مدى ما يقرب من 70 عاما.

عفوا يا باشمهندس.. فمبادرة «جزيرة إيلان» – رغم نبلها وإنسانيتها وهدفها المخلص – ربما سيذكرها التاريخ بأنها ضمن موروثنا الثقافى الذى يتصدر هذه السطور..!!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية