لايزال موضوع ميريديان القاهرة يمثل لغزاً، ولايزال اللغز يستعصى على الفهم، وسوف يظل على حالته هذه إلى أن يجد حلاً، ثم إلى أن يدرك القائمون على الاستثمار بوجه عام في البلد، وعلى السياحة بوجه خاص، أنهم مطالبون بخلق هذا الحل، لأن المواطن في بلد قامت فيه ثورتان يتصور أن المسؤولين عن الاستثمار وعن السياحة معاً لا يجوز أن يأتيهم نوم وهم يعلمون أن فندقاً على النيل، بحجم وموقع الميريديان، قد اشتراه مستثمر عربى، ثم قرر أن يغلقه كاملاً، ليظل قرار كهذا من جانبه، بمثابة صفعة في كل صباح على خد النيل!
رجل الأعمال سميح ساويرس استفزه الموضوع جداً فيما يبدو، فتلقيت منه خطاباً، أتخيل أن فيه ما يستحق أن نتوقف عنده، لسبب مهم، هو أن صاحب الخطاب يعمل في الاستثمار السياحى، داخل مصر وخارجها، ولذلك فهو عندما يتكلم في المسألة إنما يتكلم فيما يفهم فيه ويستوعبه.
هو يقول إنه حصل على عقود عمل سياحى كثيرة، في عشر دول، وفيها كلها بلا استثناء، كان هناك دائماً نص صريح في العقد، يتيح للدولة المعنية إلغاء التعاقد على الفور، إذا ما لم تتم التنمية موضوع العقد، وكان مع النص الصريح حد أدنى من المتطلبات تفرضه الدولة على المستثمر وإلا عادت الأراضى والأصول إليها دون نقاش!
وهو يقول إن الغريب في الأمر كله أن مصر، ممثلة في هيئة التنمية السياحية، تلزم أي مستثمر بالشرط إياه، منعاً لتسقيع الأراضى، فما بالك بالأموال الموجودة فعلاً كالميريديان، والتى كانت تدر دخلاً على الدولة قبل خصخصتها، ثم يتساءل هو أيضاً في حيرة: لماذا تنازل عاطف عبيد عن هذا الشرط الأساسى وقت عملية البيع؟!
السؤال على لسان صاحب الرسالة يجعلنا نحن نتساءل في حيرة أشد: هل تنازل عبيد عن الشرط حقاً؟!.. إذا كان قد تنازل فلا لوم إذن على المستثمر صاحب الميريديان، لأن العقد، والحال هكذا، لا يلزمه بشىء!
والواقعة، كما يقول «ساويرس»، تدل تماماً على أن العيب ليس في الخصخصة أبداً، وإنما في الذي يقوم بها.
ولكن.. ما الحل إذا اكتشفنا أن عقد البيع لا يلزم المستثمر بشىء، وإذا راح يتمسك بموقفه، وصمم على استمرار إطفاء أنوار الميريديان، وحرمان الدولة من حقها فيه، بعد بيعه، سواء كان الحق في صورة فرص عمل، كانت ستتوفر هناك لو فتح الفندق أبوابه بشكل طبيعى، أو في صورة ضرائب كان سيدفعها بالضرورة عن أرباحه.. ما الحل؟!
الحل في تقدير «ساويرس» هو أن تستخدم الدولة حقها في فرض ضريبة على العقارات غير المستخدمة، فهو حق للدولة لا يبطله أي تعاقد، بشرط ألا تكون الضريبة، عندئذ، بأثر رجعى.. إنه نظام متبع في دول كثيرة!
ثم ينهى رسالته بأنه لا يعتقد أن مثل هذا الحل قد غفل عنه المسؤولون، ولكنها الروح السائدة إزاء هذا المستثمر تحديداً، والتى أعطته استثناءً مجحفاً.. وأخيراً يقول: المشكلة أنه لا توجد نية حقيقية لمعالجة آثار مثل هذه التجاوزات الصارخة، من جانب مستثمر عربى، في حق بلد بكامله، بل في حق 90 مليوناً من البشر!
أتلقف بدورى السطر الأخير منه، وأسأل المهندس محلب بشكل مباشر: هل صحيح لا توجد نية؟!