حضرت، أمس، مؤتمراً فى كلية طب قناة السويس حول السمنة وتأثيراتها المختلفة، شاهدت هذا الصرح الطبى والتعليمى واقعاً وحقيقة، بعد أن شاهدته حلماً وخيالاً وأمنية فى عقول أساتذة طب كبار كانوا يرون أن فلسفة التعليم الطبى لابد أن تتغير، فكليات الطب للأسف بطريقتها التقليدية كانت لا تعلم الطب، بل كانت تعلم ميكانيكا تصليح البنى آدمين!! كنا لا نشاهد ولا نتفاعل مع المريض الذى هو الهدف والغاية إلا فى السنة النهائية فى الكلية، وكنا نتعامل معه فقط كفريسة نقتنص من جسدها المعلومات التى تعبر بنا محنة الامتحان، كانت البداية حين أهدانى د. طارق على حسن، أستاذ الغدد الصماء بالأزهر، رئيس الأوبرا السابق، كتاب «الطب مريضاً»، الذى اشترك فى صياغة أفكاره مع د. صبور ود. شعلان، كانت فكرته الأساسية أن التعليم الطبى ابتعد عن المريض واهتم فقط بالمرض، وفرق كبير بين أن أنظر إلى المريض كأعضاء منفصلة: كبد وطحال ورئة وبنكرياس، وأن أنظر إليه كبنى آدم، كإنسان، كفرد متكامل، إنه الطب التكاملى الإنسانى الذى تبناه بعد ذلك مؤسسا كلية طب قناة السويس د. زهير وشريكة حياته وحلمه د. عصمت، تحول الحلم إلى واقع على ضفاف قناة السويس، التعليم بحل المشكلات، لا يتعلم الطالب تشريحا منفرداً عن الفسيولوجى عن الباثولوجى عن الباطنة.. إلخ، إنه يتعامل مع مشكلة طبية بتفاصيلها من كافة الزوايا، المريض يؤخذ «باكيدج» وليس كما يتعامل معه الكثيرون بالقطاعى!!
وحتى لا يقع الطبيب فى فخ النظرة الضيقة على عضو معين أو عرض بعينه، كانت سعادتى غامرة عندما رأيت الحلم القديم ينبض بالحياة أمامى وتتشكل الأفكار فى شخصيات وعلماء وطاقات وطموحات، خريجو الكلية يمسكون بدفة القيادة لأول مرة، د. أمجد مطر، عميد الكلية، الذى جمع بين الحسم والصرامة واللطف والرقة، والذى يتعامل مع الطلبة بالفعل كأبناء وزملاء مستقبل، وكيل الكلية د. طارق فؤاد حبيب، دينامو يعمل بلا ضجيج، ويترك بصماته بدون شو استعراضى، بصمات لأساتذة وجدتهم جميعاً يفكرون خارج الصندوق، منهم د. بدر مصباح، ود. عزيزة عمر، ود. أمانى الباز، ود. أمانى وحيد.. وآخرون من ثمار الشجرة التى رواها د. زهير والدكتورة عصمت فى مدينة الإسماعيلية بمجرد حلم، لكنه الحلم الذى يسع الكون كله فى حضنه الرحب، باختصار رأيت كوكبة ممن يفكرون خارج الصندوق، ويحلقون بأجنحة شفافة من نور يحاولون حفر ثغرة فى جدار ترهل التعليم الطبى المصرى الصلب الذى يسد مسام التقدم والتغيير، شكراً لهذه الساعات التى قضيتها فى رحاب تلك التجربة الجميلة، التى عرفت منها أن التغيير فى مصر قادم لا محالة، وأن الظلام- حتى ولو لف العالم- من الممكن أن ننتصر عليه بمجرد ضغطة زر تضىء مصباحاً يفرض ضوءه حتى ولو كان خافتاً، وكما قال أينشتاين: «ما ينقصنا ليس المعرفة لكنه الخيال»، وهذا الكيان الطبى سيحقق المستحيل بسلاح الخيال.