x

عبد الناصر سلامة مافيا الشباب والرياضة عبد الناصر سلامة الخميس 10-09-2015 21:44


قد يعتقد البعض أن الرياضيين أفضل حالاً من غيرهم، هم أبعد عن البيروقراطية من غيرهم، هم بمنأى عن الصراعات السياسية من غيرهم، هم مالياً لا يشعرون بمعاناة وأزمات غيرهم، جميعها حقائق مؤكدة، إلا أن السنوات الأخيرة حملت الكثير من الرياح التى لا تشتهيها السفن، البيروقراطية طالتهم، والصراعات السياسية أصبحت جزءا من صراعاتهم، والشأن المالى استحوذ مافيا الفضائيات والتربيطات على الجزء الأكبر منه.

القانون ٧٧ لسنة ١٩٧٥، بشأن تنظيم الهيئات الرياضية والشبابية، مازال جاثماً على هذا النشاط حتى الآن، لم يتفاعل مع المتغيرات العالمية، لحاجة فى نفس يعقوب، وهى استمرار هيمنة الدولة على هذا المسار، من هنا كان اصطدام الدولة الرسمية مع الاتحادات الدولية فى كثير من الأحيان، والتهديد بالشطب وتعليق النشاط وخلافه من العقوبات المنصوص عليها فى هذا الشأن.

يحدث ذلك رغم المتغيرات الداخلية الكثيرة أيضا التى طرأت على الشأن الرياضى الداخلى، والتى من أهمها ظهور أندية القطاع الخاص، ذات الربحية العالية جدا، والتى لا تقارن بمثيلاتها من ربحية الأندية الرسمية أو التقليدية، التى هى فى حاجة إلى دعم رسمى فى معظم الأحيان كى لا يتوقف نشاطها، هناك أيضا الأنشطة الاستثمارية التى فرضت نفسها على الأندية، مثل حقوق الرعاية، والدعاية والإعلان، والتى تصطدم بالمناقصات والمزايدات الرسمية، وغيرها من المجالات المختلفة، هناك فروع الأندية، والتى لم تكن موجودة من قبل حين وضع القانون الحالى.

يستمر هذا الوضع أيضا رغم إتخام المحاكم، خاصة القضاء الإدارى منها، بالقضايا ذات الصِّلة، سواء ما يتعلق بالانتخابات، أو بقرارات مجالس الإدارات، أو بعقود اللاعبين، أو روابط المشجعين، أو بالمشاكل المستحدثة للأندية الخاصة، والتى لم يطلها القانون الحالى، وهو ما كان يقتضى إنشاء محاكم خاصة لتسوية المنازعات الرياضية، أشبه بلجان التحكيم، أو لجان فض المنازعات، وهناك من الدراسات والمشروعات الكثير الذى تم تقديمه فى هذا الصدد، سواء ما يتعلق بالقانون ككل، أو ما يتعلق بعملية التحكيم وفض المنازعات هذه، إلا أنها اصطدمت دائماً وأبدا بالجهة الإدارية، التى تصر على (العيش فى جلباب أبى) من حيث التشبث بالهيمنة والسيطرة، وغل يد الأندية والاتحادات.

الدستور الحالى فى المادة ٨٤ منه لم يتجاهل النشاط الرياضى، الذى رأى أنه حق لكل مواطن، إلى خلاف ذلك من جُمل ومصطلحات فضفاضة، إلا أنه ترك للقانون التحدث بتفاصيل أكثر طبقا لمقتضيات الواقع والتطور الحاصل فى هذا الشأن، وعلى الرغم من أن مصر من أقدم دول العالم فى إنشاء اللجنة الأوليمبية (عام ١٩١٠)، إلا أنها تتعامل حتى الآن من خلال القوانين واللوائح الصادرة منذ ذلك التاريخ، وهو ما جعلنا أمام أزمات كثيرة وبالغة التعقيد، قد تتعثر يد القضاء أمامها.

فى المجال الرياضى أصبح هناك مافيا الفضائيات، سواء كانوا أصحابها المباشرين، أو مقدمى البرامج من الرياضيين السابقين، ومدى ارتباطهم بأنديتهم الأصلية، وهناك مافيا وكلاء وسماسرة اللاعبين، ووكلاء وسماسرة المدربين، وهناك روابط المشجعين ومدى استغلالهم للعمل أو لخدمة فصيل سياسى أو أكثر، من خلال السيطرة على قادتهم، سواء كان ذلك من خلال إغداق أموال طائلة عليهم، أو من خلال عملية غسيل مخ للقاعدة.

وقد أسفرت مثل هذه الممارسات فى النهاية عن فاتورة باهظة من الدم سددتها الرابطة الأقوى والأكثر عددا المعروفة باسم (أولتراس الأهلى) فى استاد بورسعيد (أكثر من ٧٠ قتيلا)، ثم الرابطة الثانية من حيث العدد أيضا (وايت نايتس الزمالك) فى استاد الدفاع الجوى (أكثر من ٢٠ قتيلا)، والتى كانت فى الحالتين بمثابة تصفية حسابات، يعلم تفاصيلها أعضاء الرابطتين أكثر من غيرهم، نتيجة خلط الأوراق مع معترك أو أكثر بخلاف الرياضة.

قصور القوانين واللوائح الرياضية والشبابية فى بلادنا أسفر، من بين ما أسفر، عن ذلك الوضع المتردى على كل الأصعدة المتعلقة بهذين المجالين، والتى من أهمها حرمان جماهير الأنشطة الرياضية المختلفة من مشاهدتها فى ملاعبها، مما أسفر فى النهاية عن خسائر مادية باهظة للأندية والاتحادات والدولة المصرية ككل، أضف إلى ذلك تراجع مستوى الرياضة والنشاط الشبابى ككل أيضا، نتيجة ذلك الغياب الجماهيرى، الذى لم يعد مرتبطا بأى حال بالحالة الأمنية المتعلقة بأحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، قدر ارتباطه بثأر مُبيّت هنا، أو انتقام متبادل هناك. العملية إذن فى حاجة إلى إعادة نظر شاملة، تستهدف، أولا وأخيرا، النهوض بالشباب والرياضة فى مصر، فى آن واحد، وتعمل فى الوقت نفسه على تعديل القوانين واللوائح الحالية، والتى عفا عليها الزمن، مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك اتحادات دولية فى هذا الشأن، تراقب ولا تتخاذل، مما يجعل من الشأن الرياضى أفضل حالا من غيره، حيث الارتكان فى النهاية إلى سند دولى، وقوانين منظمة تسرى على الجميع، على خلاف معظم الهيئات الأخرى فى مصر، والتى قد لا تجد مساندة دولية من أى نوع. فى النهاية نستطيع التأكيد على أن عقبات وعثرات وأزمات الشأن الرياضى فى مصر هى من صنع الرياضيين أنفسهم، خاصة أصحاب المصالح منهم، ولن نلوم أبدا الشرفاء حال احتكامهم للقوانين الدولية فى هذا الشأن، أو حال الضغط بقوة لتعديل تلك القوانين البالية، بما يتناسب مع متطلبات العصر.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية