x

لهذا ستبقى صورة إيلان راسخة في ذاكرة التاريخ (تقرير)

الخميس 10-09-2015 12:09 | كتب: دويتشه فيله |
العثور على جثة طفل غرق ضمن مجموعة من اللاجئين المهاجرين بطريقة غير شرعية على متن مركبين يقلان 11 سوريًا من تركيا في اتجاه اليونان، 2 سبتمبر 2015. العثور على جثة طفل غرق ضمن مجموعة من اللاجئين المهاجرين بطريقة غير شرعية على متن مركبين يقلان 11 سوريًا من تركيا في اتجاه اليونان، 2 سبتمبر 2015. تصوير : وكالات

لأول مرة في تاريخها تصدر صحيفة «بيلد» الشعبية، الأكثر مبيعًا في ألمانيا، دون نشر أية صور. حيث لم تنشر الصحيفة، الثلاثاء، صورة واحدة سواء في مطبوعتها أو موقعها على الإنترنت. وعن هذه المبادرة الفريدة تقول هيئة تحرير الصحيفة: «إننا نرغب من خلال ذلك في إظهار مدى أهمية الصور في مجال الصحافة.. يجب أن يرى العالم الحقيقة، حتى يتغير».

لكن الصور ليست كلها سواء، فهناك صور تبقى متوهجة في الذاكرة، وأخرى قد تكون قاسية، لكن سرعان ما تختفي من الذاكرة بعد مرور وقت قليل. فما الذي يجعل من صورة أيقونة راسخة في الأذهان؟ وكيف تستطيع لقطة واحدة تخليد روح حقبة تاريخية معينة وتصوير علاقات معقدة فتظل راسخة للأبد؟

إلى أي فئة تنتمي صور آيلان كردي، الطفل السوري، البالغ من العمر 3 سنوات، الذي مات غريقا في البحر المتوسط، وتم العثور عليه في 2 سبتمبر، على الساحل التركي قرب مدينة بودروم؟ صور «آيلان» أثارت تعاطفا كبيرا وردود فعل كثيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن الأهم من ذلك هي أنها غيرت النقاش السياسي حول سياسة اللاجئين في أوروبا بشكل جذري.

Flüchtling Kinderleiche Türkei Bodrum Syrien Kos EINSCHRÄNKUNG

من جهته، يؤمن مؤرخ الفن فيليكس هوفمان بقوة الصور التي يمكنها، حسب رأيه، أن «تؤثر وتغير الفكر والسلوكيات الإنسانية، لكن فقط بشرط أن تظل لوقت طويل وأن ترسخ في أذهان الناس». ويقوم هوفمان منذ عدة سنوات بدراسات علمية حول تأثير التصوير، وأجرى في معرض «سي أُو برلين» للصور الفوتوغرافية أبحاثا على صور الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في أحداث 11 سبتمبر، بعد 10 سنوات من وقوع تلك الهجمات. وقام «هوفمان» بدراسة تأثير صور تلك الهجمات بحثا عن إجابة للسؤال التالي: «لماذا بقيت بعض الصور راسخة في ذاكرتنا إلى الأبد؟».

وجوابا على هذا السؤال يقول هوفمان في مقابلته مع «DW» إن الصورة تمتلك القدرة على «أَنْسنة الكوارث»، ومنحها وجها وشكلا معينين، ومن دون هذه الصور لن يستطيع الكثير من الناس استيعاب حجم وخطورة وأبعاد الحرب والكوارث. ويضيف المؤرخ الفني: «صور الطفل آيلان كردي خير مثال على قوة الصور.. فهي تعبر عن مرحلة حاسمة جدا، تمر بها أوروبا في الوقت الراهن. لكن السؤال الآن هو إلى متى ستظل هذه الصورة حاضرة في وسائل الإعلام».

هوفمان، وهو أب أيضا، شعر بـ«صدمة عاطفية»، جراء تأثير صورة الطفل الغريق، مرميا على الشاطئ بالقرب من بودروم التركية. وبهذا فإن صورة تدفق اللاجئين التي نراها يوميا في وسائل الإعلام، أخذت طابعا شخصيا وأصبحت ملموسة عبر قصة واقعية مثيرة. وإضافة إلى ذلك فإن كثيرا من الناس يشعرون بالتعاطف ويقولون «يمكن أن يصيب ذلك أطفالنا أيضا».

المؤرخ الألماني يشير أيضا إلى العديد من المصورين، الذين كرسوا حياتهم في البحث عن «اللحظة الحاسمة»، مثل المصور الصحفي الفرنسي، هنري كارتييه بريسون، الذي كان يحكي عن قصص من مناطق القتال باستخدام صور ظلت عالقة في التاريخ. لكن التغطية المباشرة، والعلاقة بين المتفرجين والصحفيين قد تغيرت، على حد تعبير هوفمان. وفي هذا الصدد يذكرنا هوفمان بدورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ميونيخ عام 1972، التي خيمت على أجوائها أحداث احتجاز وقتل رياضيين إسرائيليين، كانوا مشاركين في تلك الألعاب.

ويضيف «هوفمان» في هذا الصدد: «للمرة الأولى في التاريخ، يتمكن المشاهدون من متابعة هجوم إرهابي في التلفزيون على الهواء مباشرة. أي يمكن القول أن الإرهاب اقتحم غرف جلوس الناس داخل بيوتهم»، ويرى أنه «رغم التغطية المباشرة للأحداث والتفاعل الدائم عبر الشبكات الاجتماعية، لا تزال الصورة أقوى وسيلة لنقل المأساة. لكن ذلك مرتبط أيضا بجودة الصورة».

صور الكوارث أو المآسي الإنسانية مثل اغتيال الرئيس الأمريكي جون اف كينيدي سنة 1963، أو صورة كيم فوك، الفتاة الفيتنامية العارية ذات التسع سنوات، التي فرت متأثرة بحروق شديدة على الجلد جراء الهجمات بقنابل النابالم في عام 1972. هذه الصور أصبحت بمثابة رموز تاريخية، على حد قول هوفمان، الذي يضيف: «لا يمكن للمرء التذكر بالضبط متى رأى هذه الصور، لكنها أصبحت جزءا من الذاكرة الجماعية المرئية،على الأقل في الغرب».

Deutschland Geschichte Studentenbewegung Benno Ohnesorg 1967

علاوة على ذلك يشير «هوفمان» إلى أن ذلك له علاقة أيضا بكيفية التعامل مع التاريخ والصور بشكل عام، ويوضح: «يمكنك مشاهدة صور قوية في كل مكان. ليس فقط صورة الطفل آيلان كردي؛ لكن في نهاية المطاف يبقى ذلك قرارنا أن نشاهد صورة أو أن ننظر بعيدا ونغض الطرف عنها».

ويختم المؤرخ الفني حديثه مع «DW» بالقول: «أحيانا لا ينشأ شعور التعاطف، إلا إذا ربطنا علاقة حب معينة مع صورة ما، حتى عندما يموت شخص. ففي ظل طوفان الصور، التي تعكس المعاناة والألم، سنتعاطف فقط مع تلك الصور، التي أثارت شفقة فينا، وخاصة لأنها تظهر حقيقة ما يحدث».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية