«إيلان كردى» طفل أتى من جحيم السادية البشرية، فر هاربنا من هوس «داعش» وفاشية نظام بشار وطوائف سياسية ودينية أدركتها حمى الصراعات والنزاعات لتتقاسم مجد لم تصنعه، بل صنعت خرابا ودمارا وتمزيقا لوحدة الأرض والعرض، فأصبح شعب سوريا بين عذاب التهجير ومقاصل الشنق ونصول الذبح ونيران الشوى ورصاص القنص، تعددت الأساليب والموت واحد، «فلماذا لا ننفد بجلدنا من موت اجبارى إلى موت اختيارى»؟؟ هكذا كان يدور بخلد والد «ايلان» حينما حسم أمره، وعقد العزم على الرحيل تاركا خلفه ذكريات وأوجاع ومشاهد قتل ودمار لن تسقط بالتقادم.. كما حلمه !!
صورة «ايلان» الطفل المنكفئ على وجهه على إحدى شواطئ مدينة «بودرم» السياحية التركية أثار فزع وغضب وحزن ومرارة وغصة انحشرت في القلب ولامست المشاعر، حينها انتفض ضمير العالم من أقصاه إلى أدناه شجبا واستنكارا وإدانة!! وكأن هذه الدول التي انتفضت لهول وبشاعة الصورة، لم تلوث يدها يوما بدمائهم أوتشارك في جريمة تهجيرهم، أو تعبث بمصائرهم عبر سياسات التحالف مع الشيطان من أجل المصالح، عبر خلق عدو غامض ولد سفاحا هو «تنظيم داعش»، عبر المرور على جثث الأبرياء دون الالتفات للعواقب.. فكانت ردود أفعالهم لحفظ ماء الوجه، مرادفا لصوت شعوبهم التي صدمتهم بشاعة الصورة وأوجعت قلوبهم وأوخزت ضمائرهم .
لكن من يطفئ لهيب الألم في قلب «عبدالله كردى» الذي فقد عائلته بالكامل زوجته و«ايلان» وشقيقه، وبات أقصى ما يتمناه أن تجد عائلته قبورا تحتضنها، يرابط بجوارهم يحرس قبورهم حتى يلحق بهم، بعد أن ضاقت بهم الكرة الأرضية على اتساعها ورفضت احتضانهم، غضت الطرف عن توسلاتهم ومعاناتهم وشقوق اليأس التي اعتلت جباههم المرهقة، وتركتهم نهبا للصراعات الدائرة في بلدهم، وما خلفته من أهوال ومجازر ودمار وتهجير .
صورة «ايلان» جعلت دول اوروبا منقسمة على نفسها اتجاه مواجهة الأزمة السورية وكيفية التعامل معها، تباينت التصريحات بين متشدد كالمجر التي تنادى بالالتفات نحو الحدود أكثر والتعامل بحزم مع الهجرات غير الشرعية لاوروبا، لأن ذلك سيكون سببا رئيسيا في تحول أبناء البلد الاصليين إلى أقليات في بلدانهم، وتراجع الهوية المسيحية بفعل تدفق الهجرات المتتالية، فيما طالبت فرنسا بالتعامل مع ملف المهاجرين بمسؤولية أكثر وفق اتفاقيات جنييف الدولية، وكان لافتا ترحيب المانيا بالمهاجرين وطالبت «انجيلا ميركيل» بتوفير الراحة وأماكن اللجوء لهم والترحيب بهم، فيما سارع الالمان بتوفير الدعم اللوجستى بشكل غير مسبوق ترحيبا بالمهاجرين وتعاطفا معهم، رغم مطالبة الشرطة الالمانية بالكف عن التبرع نظرها لتجاوزها الحد المطلوب، وتناغمت التصريحات الامريكية مع فداحة الحدث فكانت أكثر رفقا من العرب، فطالبت امريكا (وهى رأس الأفعى) بتحمل أوروبا مسؤولياتها تجاه تدفق اللاجئين واحتواء الأزمة والعمل على حلها، مشيرة بانها تبرعت بأحد عشر مليون دولار لللاجئين السوريين منذ بداية الأزمة وحتى الآن.. فماذا كان هو موقف العرب ؟؟
هناك دولا عربية بعينها كانت سببا رئيسا في إشعال فتيل الأزمة، صنعت «داعش» و«جبهة النصرة»، وأخرى مدتهم بالمال والسلاح والعتاد ولا زالت تغذى نيران الفتنة وتشيع الفوضى السياسية والطائفية بما يخدم أهداف الغرب وامريكا، «تفتييت المنطقة وإعادة تقسيمها وترسيمها»، تدخل ايران على خط الأزمة الحليف الاستراتيجى للنظام السورى ولاعب رئيسى في المنطقة، تعقد تحالفات وتسقط أخرى بما يتماشى ومصالحها الاستراتيجية في محيطها الاقليمى، كل ذلك والحرب الدائرة مستمرة في حصد الأرواح وتهجير الأحياء، ليفروا من موت إلى موت أكثر بشاعة، ما يشى بأن ألف ألف «ايلان» في انتظار نفس المصير ..؟!