البطولات والمباريات والأهداف ليست دائما هى أجمل ما فى كرة القدم طول الوقت.. فأحيانا تفاجئنا هذه اللعبة بإنسانيتها وقدرتها الخرافية على طرح الورد رغم الأشواك وحصد الفرحة رغم الجروح.. وإذا كان هناك من تعاملوا مع مونديال الأيتام واعتبروه بطولة حملت اسم «ساتوك» فازت مصر بكأسها أول أمس بعد فوزها فى النهائى على الكوت ديفوار بخمسة أهداف، وتابعوا صور وشهادات النجوم والضيوف الكبار.. فإننى فى المقابل رأيت المعانى التى هى أجمل وأرق وأبقى من أى كأس وأضواء.. رأيت أولا الأطفال اليتامى السوريين وهم يلعبون فى استاد القاهرة ويفرحون باللعب بعد أن سرقت منهم دنياهم كل الأمان والأحلام.. وكيف كانت فرحتهم حين فازوا فى أولى مبارياتهم على الفلبين.. لم تمنحهم كرة القدم الوطن الذى احترق والبيت الذى لم يعد له سقف وأبواب وعائلة لم يعد لها وجود بعد الذى مات أو اختار المنفى والاغتراب..
ورغم ذلك كانت كرة القدم قادرة على أن تمنحهم الفرحة ولو دقائق.. وكان مشهد هؤلاء السوريين اليتامى الصغار وهم يلعبون فى القاهرة وعدد الذين جاءوا للفرجة والفرحة حتى دون لعب هو المشهد الذى جعل مصر فى قائمة الدول التى لم تغلق قلوبها فى وجه السوريين تماما مثل ألمانيا أو النمسا.. وكان أنس الذى قاد منتخب اليتامى السوريين مدربا حتى المركز السادس هو أكثر الجميع فرحا بما جرى لدرجة أنه اعتزل عمله بأحد محلات مدينة 6 أكتوبر لمدة شهر للتفرغ لتدريب هؤلاء الصغار على اللعب وعلى الفرحة أيضا..
أما المنتخب المصرى الفائز بالبطولة بقيادة المدربين عبدالبديع وخالد أبوطيرة.. فكان يضم صغارا لا آباء لهم أو أمهات أو بيوت.. وكان هؤلاء يحتاجون الأب قبل المدرب.. أب يعلمهم الحياة من جديد وكيف يأكلون وينامون ويرتدون ثيابهم ثم كيف يلعبون ليأتى اللعب فيما بعد بالفرحة وإمكانية تحقيق الأحلام.. وقد أعلن خالد عقب الفوز بالبطولة أنه سيحاول الاتصال بكل وكلاء اللاعبين لمتابعة هؤلاء الموهوبين الصغار وتغيير حياتهم من يتامى فقراء إلى لاعبين محترفين ونجوم أيضا.. فهم يملكون الموهبة والإصرار والإرادة..
فهم يلعبون فى كل مرة وهم يعرفون أن الخسارة لا تعنى إلا العودة من جديد للشوارع المظلمة الباردة والمتوحشة.. وقد يكون ذلك بداية الالتفات لكل هؤلاء الأطفال وإعدادهم نفسيا وبدنيا واجتماعيا لأن يكونوا نجوما بشكل حقيقى ويلعبوا باسم مصر سواء فى كرة القدم أو غيرها من الألعاب..
وأتمنى من الصديقة العزيزة غادة والى وزيرة التضامن دراسة هذه التجربة بشكل عميق بعيدا عن أى بطولات وإنما تعاطفا مع هؤلاء المنسيين الصغار وتقديمهم أملا جديدا وجميلا لمصر والمصريين..
وإذا كان الكثيرون لا يتحدثون إلا عن الأميرة شيخة آل ثانى رئيسة المونديال وواجهته الجميلة.. فإننى أشكر أولا السيدة المصرية العظيمة مشكاة والدة الأميرة القطرية والتى قضت الشهور القليلة الماضية تقوم باختيار وإعداد المنتخبات وترتيب كل شىء فى هدوء وإصرار، وبقيت حتى الآن تهرب من أى أضواء أو حتى كلمة شكر.