أشرت هنا من قبل إلى جير لونشتاد.. مدير عام أكاديمية نوبل للسلام.. حين التقيت به وحاورته طويلاً فى مكتبه داخل الأكاديمية بالعاصمة النرويجية أوسلو.. وقال لى لونشتاد إنه لا يتوقع فى أى يوم فوز كرة القدم بجائزة نوبل للسلام.. لأن كرة القدم أبدا لن تستطيع صناعة السلام إنما فقط تفتح الأبواب لمن يريدون السلام ويقدرون عليه.. وعلى الرغم من اقتناعى بهذا الكلام والأسباب والحكايات الكثيرة التى قالها لى جير لونشتاد يومها عن كرة القدم وجائزة نوبل للسلام.. إلا أننى أطلت التوقف أمام ما جرى منذ أيام قليلة فى ملاعب الكرة الألمانية.. فقد ارتفعت لوحات وتعالت هتافات داخل مدرجات مشجعى نادى بروسيا دورتموند.. وفى ملعب آخر داخل مدرجات مشجعى فولفسبورج.. وأيضا مشجعى نادى هامبورج.. وكانت تلك اللافتات والهتافات كلها ترحب باللاجئين السوريين فى ألمانيا.. فقد أدركت جماهير الأندية الألمانية الكبرى فى هذا الوقت الاستثنائى العاصف والحزين أن هناك فى الحياة أحيانا ما هو أهم وأعمق من كرة القدم والانتماء لأحد أنديتها.. فحكايات السوريين الذين يحاولون الهرب من الدم والألم والخوف وقسوة الحياة فى بلادهم إلى أوروبا وألمانيا بالتحديد..
باتت أكثر إيلاما مما كانت عليه طيلة الثلاث سنوات الماضية.. ودفع ذلك الحكومة الألمانية برئاسة المستشارة أنجيلا ميركل، منذ عشرة أيام، لتعليق العمل باتفاقية دبلن التى كانت تلزم أى دولة فى غرب أوروبا بعدم منح اللجوء السياسى لأى إنسان يأتى لهذه الدولة من دولة أوروبية أخرى.. وبالتالى أصبح من حق السوريين المتواجدين حاليا داخل ألمانيا أو أمام حدودها طلب اللجوء لألمانيا دون اضطرارهم للعودة للبلدان الأوروبية القادمين منها.. وتعرضت ميركل بسبب ذلك لهجوم حاد من العنصريين الألمان الرافضين تماما لكل من هو غير ألمانى.. وهنا جاء دور كرة القدم وجمهورها.. وبدون أى اتفاق أو تنسيق وترتيب مسبق.. فوجئ الجميع، بمن فيهم ميركل نفسها، بجماهير الأندية الكبرى ترفع لافتات الترحيب بالمهاجرين السوريين فى ألمانيا.. وانتصرت كرة القدم بجماهيرها على كل الأصوات العنصرية وكل مشاعر الرفض والكراهية.. ولم يقل أحد هناك إن كرة القدم يجب أن تبقى بعيدا عن السياسة.. ولم نجد رابطة جماهيرية ترى أن ناديها أهم من ألمانيا ومن الخير والعدل والسلام والأمان.. ولعبت كرة القدم هناك دورا رائعا فى توحيد المجتمع الألمانى ورؤيته لقضية إنسانية شائكة ومؤلمة وليس العكس كما فى مجتمعات أخرى كرة القدم فيها هى الفرقة والكراهية والفتنة والنار.