أظنه كان على يقين من أن تحدياته لا تنتهى عند الإخوان المسلمين ومؤيديهم من بعض القوى الغربية، فالسيسى أدرك منذ اللحظة الأولى أنه يواجه قوى أخطر ومصدر خطورتها أنها تبدو مؤيدة ومساندة، مع علمه أنها لا تستقيم مع الاستقامة وأن منهجها المعوج المنحرف خيار أبدى لا فكاك منه، أقول كان السيسى متيقنا لأنه دأب على القول: «أنا من الأول بحب أقول إنى مش مديون لحد ومعليش فواتير أسددها لحد»، وطبعا لا يمكن أن تكون هذه الجمل موجهة إلى الخصم المعلن وإنما هى موجهة إلى الطرف الذى يستميت فى إبراز دوره فى التأييد وترجيح كفة الرجل فى الصراع الفائت، إذا هو يعلم سلفا أنهم سوف يدعون فضلا وطنيا على مصر والرئيس وأنهم ينتظرون سداد الدين وقت اللزوم الذى لا يتمنون أن يأتى أبدا وإن كانوا يتوقعون يقينا أنه سوف يأتى لأن الرجل ليس من طينتهم ولا يتحدث لغتهم ولا يعيش حياتهم ويلوح دوما بأن أمثالهم معول هدم وليسوا أبدا أدوات بناء، ولكن ألا ينبغى أن نسأل: هل لدينا الآن مراكز قوى على غرار ما عرفناه فى تاريخنا المعاصر؟ وكيف يمكننا أن نعرفهم ونتعرف عليهم؟
وهل يكفى أن نصفهم بأشخاص أو مجموعات شكلت بالمال والإعلام والبرلمان قوى متعاظمة لها تأثير طاغ على حياة الجماهير؟ وهل هم فوق القانون وحتى لو طالهم القانون بوجهه القضائى فهل يطولهم بأدواته التنفيذية؟ بطبيعة الأمر هم ليسوا على غرار مراكز القوى التى عرفناها فى الستينيات، فهؤلاء كان معظمهم فى مواقع قيادية كبرى، فقد كان منهم نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الإعلام ورئيس المخابرات، أما مراكز القوى فى عصرنا فهم وإن كانوا لا يحتلون مثل هذه المراكز القيادية الكبرى إلا أن قوتهم وذراعهم الطويلة وبأسهم الشديد وبقاءهم الممتد يجعلهم أشد تأثيرا من سابقيهم وأعمق تجذرا ووجودا من أسلافهم، ناهيك عن أنهم يجانسون الإخوان فى ارتباط بعضهم بقوى دولية تمكن لهم ماديا وسياسيا وجعلتهم يحصنون أنفسهم فى معظم الأحيان بدروع إعلامية ما كان بالإمكان وجودها لولا حالة التردى المقيتة التى يعيشها المجتمع أخلاقيا وثقافيا وتعليميا، مراكز القوى هذه متمترسة فى مواقع مصرية مؤثرة ماديا وإعلاميا وتدافع عن وجودها ومصالحها بوسائل ربما تكون منافسة من حيث الشراسة والخسة لما يصنعه دراويش التأسلم السياسى، لكننى بصراحة رغم إدراكى لمدى قوتها وعناصرها وقدرات تسلحها إلا أننى توقعت أن السيسى قادر على طردها من الساحة بشكل كامل وجذرى وفى وقت قياسى، وكان مبررى فى هذا التوقع أن الرجل لديه ظهير شعبى ضخم وقوى.
الرئيس اختبر ظهيره الشعبى القوى التاريخى فى مناسبتين مهمتين أولاهما حينما رفع أسعار البنزين والسولار فى يوم وليلة، واندهش الجميع من أن الجميع استجاب وقدر الأسباب والدوافع التى أدت لهذا القرار ولم نرصد أى رد فعل شعبى محتج، وهو الأمر الذى لو صنعه غيره فى أى وقت لكان المردود سلبيا لحد كبير مهما كانت القبضة الأمنية، أما المناسبة الثانية وهى الأهم حينما دعا الناس لشراء الأسهم فى قناة السويس الجديدة فجمعوا 60 مليارا فى زمن قياسى، وهو الأمر الذى أكد أن الثقة بين الرجل وظهيره الشعبى فى أعلى مستوياتها.