x

صلاح منتصر فاروق ظالماً ومظلوماً (4) صلاح منتصر الإثنين 31-08-2015 21:37


عُقدة ولى العهد الذى تأخر كثيراً

يُعد زواج الملك فاروق وفريدة، يوم الخميس 20 يناير 1938، آخر احتفال زواج على مستوى مصر شهدته مصر، وقد وصفته جريدة «الأهرام» بقولها: تُرى ما هذه الزينات التى ارتدت مصر منها حلة ضافية يأخذ بريقها الأبصار، وما هذه المهرجانات التى لا تقع العيون على أروع منها. وما هذا البشر (بكسر الباء) الذى تشرق به الوجوه حتى لقد أصبح كل شىء فى مصر باسما، وكأنما الطبيعة قد شاركت سكان الوادى ما هم فيه من سرور. وتضيف «الأهرام»: سل مئات الألوف الذين وفدوا على العاصمة من أطراف البلاد فزخرت بهم الطرق، وغلبتهم نشوة الفرح فانطلقوا ينشدون أجمل الأناشيد، مرددين اسم «الفاروق» سلهم: فيم هذا المرح وهذه الأهازيج؟ يجيبونك بلسان واحد إنه عيد مصر بالقران السعيد. بل اسأل أهل القرى من ريف مصر وصعيدها: ما لهم لبسوا الجديد وهجروا حقولهم إلى البيوت، وأمسكوا عن حديث الفلس والمحراث؟ وما لنسائهم يطلقن الزغاريد فيتردد فى الأجواء صداها؟ سل هؤلاء وغيرهم من رعية فاروق يأتيك جواب واحد: هذا يوم الفرح الأكبر بزواج المليك، فقد أضيئت الزينات فى أنحاء البلاد ودخلت الفرحة كل بيت.

وقد تعرف فاروق على صافيناز ذو الفقار لأول مرة فى حياة أبيه فؤاد، وهو فى سن الخامسة عشرة، عن طريق أمه الملكة نازلى، التى كانت والدة صافيناز وصيفة لها (الوصيفة تعنى رفيقة). وطبقا للتقاليد فقد ذهب فاروق بعد أن أصبح ملكا يوم 6 مايو 1936 إلى بيت فريدة وطلب يدها من أبيها يوسف ذو الفقار، المستشار بمحكمة الاستئناف المختلطة بالإسكندرية، وكان تعليق الأب لوالدة فريدة بعد خروج فاروق: ده إسمه لعب عيال اللى بيحصل. فقد كانت سن فاروق 18 سنة وفريدة 16 سنة. وبعد إلحاح وافق الأب على إعلان الخطبة على أساس أن تمتد بضع سنوات، ولكن ما إن تمت الخطبة حتى تعجل فاروق الواقع تحت عقدة صغر السن إتمام الزواج، على أساس أن ذلك سيجعله فى نظر الآخرين رجلا. وكان القرار هذه المرة ملكيا، فأضيئت الزينات وعمت الأفراح ودخلت الفرحة كل بيت.

وتعترف صافيناز- التى أصبح اسمها بعد ذلك فريدة، تطبيقا لقاعدة أن تبدأ أسماء أسرة فاروق بحرف الفاء- بأنها أحبت فاروق الذى كان فتى رقيقا حنونا. وأتذكر فى سنوات المدرسة أننا تعودنا بدء كل صباح بالاصطفاف فى حوش المدرسة فى طوابير منتظمة وترديد نشيد يؤكد محبتنا لفاروق. وفى دور السينما التى كان يظهر الملك فاروق كثيرا فى الأخبار التى تصورها جريدة مصر الناطقة، وهى النشرة الوحيدة المصورة فى مصر حتى ظهور التليفزيون، كنا نصفق كثيرا لظهور فاروق، بل كان بعضنا يقف تلقائيا فى دور السينما عند ظهور صورة فاروق الرسمية تأكيدا لمحبتهم له.

■ ■ ■ ■

وإذا كانت فريدة، التى اعترف فاروق بإعجابه برجاحة عقلها، هدفا أوليا للزواج، إلا أنه سرعان ما أصبح الهدف سرعة أن يكون لفاروق ولى عهد ذكر يرث العرش من بعده. وكان ذلك من العُقد النفسية التى أضيفت إلى عُقد عدم تعلمه، ونظرة الآخرين إليه على أساس أنه ببساطة «عيل»، وهذه العقدة أثمرت بدورها عقدة كراهيته للنحاس باشا، زعيم الحزب الذى وُلد بقرار من الشعب، خاصة منذ قال له النحاس باشا: «إعتبرنى مثل والدك».

هكذا فإن فاروق راح ينتظر نوع الجنين الذى تضعه زوجته (ولم يكن الطب قد عرف السونار حتى يمكن معرفة الجنين)، ولثلاث مرات كانت مفاجأة فاروق، بل قل خيبته كبيرة، إذ توالت بناته فريال (17 نوفمبر 38)، ففوزية (7 إبريل 40)، ثم فادية (15 ديسمبر 43). ووجد أشرار القصر والأسرة المالكة فرصتهم وراحوا يشغلون فاروق بسهرات القمار التى بدأت بريئة ثم أدمنها فاروق، فى الوقت الذى زين له مدير شؤونه الخاصة «بوللى» أنه على المستوى الشخصى مثار إعجاب كثيرات «يتمنين تراب رجليه»، وأخطر من ذلك كان هناك من تولى إشعال الخلاف بين فاروق وفريدة حتى أصبحت حياتهما لا تُطاق، فكان الطلاق يوم ١٧ نوفمبر ١٩٤٨، وهو نفس اليوم الذى تم فيه أيضا إعلان طلاق فوزية، شقيقة فاروق، من شاه إيران.

وقد رفض شيخ الأزهر، الشيخ محمد مصطفى المراغى، إصدار فتوى أرادها فاروق بتحريم زواج فريدة بعده. ولم تتزوج فريدة حتى وفاتها فى أكتوبر 88، أما فاروق فقد تزوج ناريمان صادق يوم ٦ مايو ١٩٥١. وفى يوم ١٦ يناير ٥٢ تحقق الأمل المنتظر عندما أنجبت ناريمان أحمد فؤاد الثانى. ويحكى حسين حسنى، سكرتير خاص فاروق، أن الملكة فريدة أرسلت لفاروق برقية تهنئة بتحقيق ما كان يتمناه وترجو للأمير نشأة طيبة ومستقبلا سعيدا. وعلى إثر وصول البرقية (ص ٢٥٥ من كتاب حسن حسنى: الملك فاروق.. شهادة للحقيقة والتاريخ. دار الشروق) اتصل فاروق بحسين حسنى وطلب إليه الحصول على أصل البرقية التى جاءت باسم فريدة من مكتب التلغراف الذى أُرسلت منه. وبأمر ملكى تم سحب أصل التلغراف وكان بعد ساعة أمام فاروق الذى تأكد من أنه بخط فريدة الذى يعرفه، وعلى الفور طلب من سكرتيره حسنى إعداد رد رقيق مصحوب بباقة ورد من أندر وأغلى الورود يتم إرسالها للملكة السابقة. ويحكى حسين حسنى أنه بعد سنوات التقى مصادفة بالملكة فريدة، ودار حديث جاءت فيه سيرة باقة الورد التى أمر بها فاروق، وكانت المفاجأة قول فريدة إنه فعلاً وصلتها رسالة لكن لم تصحبها وردة واحدة، فقد كانت المؤامرات عليها أقوى من أوامر الملك!.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية