x

عبد المنعم سعيد وليد محيى الدين المعلم عبد المنعم سعيد السبت 29-08-2015 21:24


سوف أدخل تواً فى مغامرة فكرية ربما لا تكون محمودة العواقب، ولكن الأوضاع فى سوريا لم تعد هناك قدرة نفسية أو عاطفية أو أخلاقية على تحملها. المغامرة كامنة فى أنه ربما لن يقرأ أحد هذا المقال، فمن تجربتى مع القارئ المصرى خلال الأعوام الأخيرة أنه لا يهتم كثيرا بأمر يخص آخرين، أصبح المصريون محليين للغاية حتى وهم يتحدثون طوال الوقت عن دور مصر الإقليمى. والمغامرة الأكثر خطورة أنه مقال يدعو إلى أن يقوم وزير خارجية سوريا بلعب دور ما فى حل الأزمة السورية ربما يؤدى إلى قتله؛ فالزعماء من نوعية بشار الأسد لا يأخذون بسهولة أن يلعب أحد دورا أساسيا فى حل صراع كانوا سببا رئيسيا فى إشعاله. فهل يمكن أن أتحمل على يدى دماء وليد المعلم إذا سالت فى حادث ما غير مقصود أو مقصود، فلا أحد سوف يعلم على أية حال ما الذى جرى له تحديدا؟ المغامرة ثالثا تقع فى أن المحللين فى العادة يتجنبون البحث عن حل، أو التنبؤ باتجاه، فليس بمثل هذه السذاجة تورد المسائل المعقدة الكبرى!.

ولكن إلى متى يمكن تجاهل أن ٢٥٠ ألف سورى قتلوا منذ الثورة التى لا أذكر ما هو اسم الزهرة التى أعطيت لها، ومعهم سقط أكثر من مليون جريح، ومن وطأة الحرب ترك ١١ مليوناً بيوتهم. كل ذلك يمثل نصف عدد السكان تقريبا، أما سوريا كلها فقد جرى هدمها حياً بعد حى، وغوطة بعد غوطة، وحضراً بعد ريف والعكس صحيح. ويبدو أن الأحياء لم يكن التنكيل بها كافيا، فامتد الأمر إلى الأموات عندما هدمت القبور ومعها أيضا آثار سوريا القديمة. وللأسف فإن استمرار الصراع رهن بحقيقتين: استمرار بشار الأسد فى الحكم بمعونة روسيا وإيران وجماعات حزب الله وجماعات مثيلة من العراق؛ وأن زوال الرجل ربما لن يعنى فقط الانهيار الكلى للدولة السورية، وإنما أيضا أنه لن تقوم لها قائمة بعد ذلك، وما نظن أنه غلبة فى الروع والرعب الآن ربما يكون فاكهة قادم الأيام إذا ما سيطرت «داعش» وبدأت عمليات الذبح الجماعى للشيعة والعلويين ومن شاركهم من أهل السنة وهم كثر. بشار من ناحيته لا يريد الرحيل، ورغم قسوته فإنه يبدو كما لو كان الأمل الأول والأخير لحلفائه؛ ومن يرون فيه آخر شواهد الدولة السورية. كل أعداء بشار من ناحيتهم يسعون لزواله، ولكنهم أيضا يعلمون نتيجة الفراغ الذى سوف يأتى بعده. ولا يوجد حل إلا أن يرحل بشار، ويمتلئ الفراغ حتى قبل أن يرحل، وهنا يأتى دور وليد محيى الدين المعلم، وزير الخارجية السورى منذ عام ٢٠٠٦، عضو حزب البعث منذ وقت طويل، السنى الدمشقى، وخريج جامعة القاهرة ١٩٦٣.

الفكرة ببساطة طالما أن الحل مستحيل فى وجود بشار، فإن إزاحته تكون بشخصية قادرة على ملء الفراغ، وهندسة عملية التغيير، وفيه من الثقة ما يكفى سواء من البعثيين السوريين الذين يريدون القتال حتى الرمق الأخير، أو من العالم الذى عرف وليد المعلم كمفاوض ودبلوماسى فى عملية السلام العربية الإسرائيلية وكسفير لسوريا لدى الولايات المتحدة لعشر سنوات (١٩٩٠-٢٠٠٠). باختصار إن ميلاد سوريا الجديدة يحتاج إلى قابلة خبرت حقيقة أن العالم لم يعد كما كان، وسوريا التى عرفت لم تعد كما عرفناها. ببساطة شديدة لماذا لا يزاح بشار وتأتى شخصية أخرى من البعث أيضا ربما تكون لديها القدرة على تجاوز دماء كثيرة؛ وأنها بطبيعتها المهنية الدبلوماسية- السياسية تستطيع أن تجد أرضية مشتركة، خاصة لو كانت هناك ثلاثة ضمانات إقليمية ودولية: الحفاظ على التكامل الإقليمى للدولة السورية؛ وحماية الأقليات كلها حتى لو اقتضى الأمر وضعها تحت الحماية الدولية؛ وإعطاء الفرصة لأقاليم وطوائف للمشاركة فى السلطة فى ظل نظام لا مركزى. تولى وليد المعلم السلطة ربما لن يحل مشكلة بشار فقط، ولكنه أيضا ربما يوحد كافة الأطراف وراء هدف هزيمة «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى.

أعلم أن من سيعترضون على الفكرة سوف يجدون تصريحات للرجل تتملق حسن نصر الله، وتعطى الولاية لطهران على الشرق الأوسط، ولكن من يعرف السياسة يعلم أن لها ألغازاً كثيرة. ولا أحد على أية حال يريد من الرجل أن يتخلى عن موقعه السياسى، بل إن ذلك تحديدا ربما يكون مفتاحا لحل الأزمة التى ليس لها حتى الآن حل، فهو الرجل الذى زار عواصم الحل خلال الأسابيع الأخيرة. الأزمات الكبرى تبدأ بالرجال، وهى لا تنتهى أيضا إلا بهم!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية