x

أحمد الجمال لكِ الله يا سوريا أحمد الجمال الثلاثاء 18-03-2014 20:51


أغادر الهموم المصرية مؤقتًا وأتجه للهموم السورية، رغم أننى ممن يذهبون وباعتقاد جازم إلى أن ما يحدث لسوريا، وفى سوريا، هو من صميم الهموم المصرية، وفق دروس التاريخ وحقائق الجغرافيا، وفرضيات السياسة ومعطيات الاستراتيجية، وهو أمر معروف ومدروس ويستحيل شرحه فى هذه المساحة!

لقد كتبت بعد فترة وجيزة من نشوب الحراك السياسى السورى للمطالبة بالتغيير، ولا أقول «نشوب الثورة»، حتى لا يستفز البعض، ويبدأون فى ترك جوهر الأمر ويركزون على أشياء أخرى، ومما كتبته ونشرته صحيفة «الأخبار» المصرية قبل أن يوقفنى رئيس التحرير، الذى عينه الإخوان، عن الكتابة، رغم أننى لم أكن أتقاضى مقابلاً، أن على القوميين والعروبيين فى مصر أن يكيلوا بمكيال واحد تجاه ما يحدث فى سوريا، وكما انحازوا للتغيير فى مصر لابد أن ينحازوا للتغيير فى سوريا، وقلت: إننى ضد الاستبداد والفساد والتوريث بالدرجة نفسها التى أقف فيها ضد الوصول للسلطة على مدافع الدبابات الأجنبية، ووفق أجندات غير وطنية!

وأذكر أن بعضًا من الناصريين المصريين الذين لهم علاقات فى سوريا غضبوا مما كتبت، لأنهم «سمعوا»- !!ـ أى لم يقرأوا، أنه غير متوازن وفيه هجوم على حكم بشار. وكالعادة لم ألتفت إلى أن قرأوا وأفاقوا على حقيقة ما كتبت.

الآن أعيد التذكير، خاصة للذين يظنون أنهم هم وحدهم حملة أختام الوطنية والقومية والتحرر، أن المسألة السورية ليست وليدة ما يسمى الربيع العربى، وأنها أقدم من ذلك بكثير.. وأن إدانة استبداد وفساد وطائفية الحكم فى سوريا والجناح البعثى، الذى يعمل معه، لا تعنى الترحيب بقطر والأمريكان وإسرائيل والإخوان وداعش وغيرهم من أعداء هذه الأمة.

ولإنعاش الذاكرة- التى يبدو أن البعض شد عليها السيفون- فإن البعث السورى هو الذى قاد مؤامرة الانفصال وتمزيق الجمهورية العربية المتحدة. والبعث السورى هو الذى سمح بالاستقطاب الطائفى داخله أولا، ليمتد الأمر إلى الوطن السورى كله، وهذا ما بدأ منذ حكم الدكاترة واستكمله حافظ الأسد وبطانته، عندما انتهجوا منهج «التمكين» للطائفة العلوية.. بل ولجهة معينة من الطائفة، هم ذوو الأصول القرداحية- نسبة للقرداحة مسقط رأس حافظ- وفى هذا يمكن كتابة مجلدات تحكى قصة ومراحل ذلك الاستقطاب الطائفى.

للتذكير أيضًا، فإن البعث السورى هو الذى نصب فخ 1967، وكان من وراء خطة استدراج مصر للحرب بدعوى أن سوريا مهددة مباشرة من العدو، وثبت أن ذلك لم يكن صحيحًا.. ووقعت الحرب، وحدثت الهزيمة، وانقلب حافظ الأسد على رفاقه، وجاءت حرب 1973، وكانت نتيجة القرار السياسى على الجبهتين وخيمة، سواء بالصلح الذى أبرمه السادات، أو باستمرار ضياع الجولان وبقاء التراب السورى محتلاً وناقص السيادة بما فعله حافظ الأسد وخليفته!، وكانت الأسطوانة المضحكة ضحكًا هو كالبكاء، أنهم لن يدخلوا فى حرب لتحرير ترابهم الوطنى إلا فى الوقت الذى يحددونه.. ومرت السنون منذ 1973 حتى الآن 2014، أى 41 سنة، ولم يأتِ الوقت!

ثم لنذهب إلى ما هو أفدح، حيث كانت سوريا أقدم بلد عربى وصل للحكم الجمهورى، وكانت سوريا نموذجًا للتفاعل السياسى الساخن على قاعدة المواطنة والشراكة فى مقاومة الاحتلال، وكانت سوريا، طيلة قرون، ساحة للفكر النهضوى العربى، وقاطرة للجهود الرامية إلى الوحدة العربية الشاملة.

وجاء الحكم الطائفى ليسجل أول انقضاض فعلى حقيقى على «الجمهورية»، فكرة ونظامًا وهدفًا، وكان الأسد هو أول وأشد الذين حولوا الجمهورية إلى ملك عضوض!

وبدأ بتجهيز ابنه البكر باسل، الذى كان يحب السيارات الفارهة شديدة السرعة ليموت فى حادث بإحداها، وليعلق على الشوارع بوسترات يقول بعضها: إن السماء احتاجت لبطل فاستدعت باسل!.. ومن بعد باسل تم التوريث لبشار، وكان ذلك إشارة لأمثال مبارك ليورث جمال، وصدام ليورث عدى، وللقذافى ليورث سيف الإسلام، ولعلى عبدالله صالح ليورث أحمد، لأن بشار ليس أجدع من بقية الورثة، وكان مجىء بشار هو الدوامة التى لفت بقية الجمهوريات.

ولأن الظل لا يستقيم، والعود أعوج، فإن التوريث استلزم حماية الوريث، ولا حماية أفضل من الأسرة والطائفة، ولذلك تعاظم دور الشقيق ماهر ودور أزواج البنات، ودور رجال الطائفة العلوية، وتم التمكين بأشد وأخطر وأكثر إجرامًا واحترافًا مما فعله الإخوان الإرهابيون، ولم يستطيعوا بفضل شعب مصر وجيشها أن يستكملوه.

وبدأ الحراك السياسى سلميًا ولم يستجب بشار ولا الأسرة ولا الطائفة، وتوالت الأحداث حتى وصل الحال إلى حرب أهلية ضروس يدفع ثمنها شعب سوريا، ويختلط فيها الحابل بالنابل، وتصبح سوريا ساحة للاستقطاب الدولى، وأكاد أقسم بأن إسرائيل والأمريكان وخدمهم فى المنطقة يريدون استمرار الاستبداد والفساد والطائفية، ومعها التطرف الدينى، وعصابات القاعدة وداعش والنصرة وغيرهم، ليقضى تمامًا على الحركة الوطنية السورية المدنية، التى يمثل الناصريون والقوميون جزءًا مهمًا فيها.

عندئذ ولأن المساحة لم تسعفنى أقول للمخلصين، الذين لا يريدون لسوريا أن تقع فى أيدى الإخوان والقاعدة، ليس بشار ولا أسرته ولا طائفته ولا حزبه هم البديل المناسب.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية