■ «من مفكرتى»، اسم باب كان يكتبه أحمد بهاء الدين فى «صباح الخير» ويوقعه «مخبر صحفى»، وحين التحقت بصباح الخير فى عددها الخامس صحفياً تحت التمرين، لمح أحمد بهاء الدين قدرتى الخبرية وكنت أتقاضى جنيهاً على الخبر من جيب إبراهيم خليل، رئيس خزنة روزاليوسف، وبعد أن صدر قرار تعيينى فى أول يناير سنة 1957، تنازل أحمد بهاء الدين عن الباب، وظللت أكتبه بتوقيع مخبر صحفى عامين كاملين، وأنا راض وغير متذمر، فقد كنت أريد أن «أشرب» المهنية قطرة قطرة، وحدث أن حذف بهاء اسم «مخبر صحفى» واستبدله بـ«مفيد..» وبأصغر بنط ويطلق عليه 9 أسود. وفرحت، فرح الكفيف الذى أبصر! وكبر الباب مع الأيام من صفحة إلى ثلاث صفحات وأصبحت أسجل آرائى والتوقيع كان كبيراً وظلت «من مفكرتى» مرتبطة بى حتى جاء رئيس تحرير جديد هو الفنان الشاعر صلاح جاهين واخترع لى باب سماعى الذى أكتبه حتى الآن.
ما قصدته من ذكر هذه المعلومات هو تمجيد صفة الخطوات المتأنية فى المهنة والطموح المتدرج حيث لا وساطة ولا مجاملة ولا استلطاف لشخصى، إنما المستهدف هو الكفاءة أولاً وثانياً وعاشراً، والدليل أن أحمد بهاء الدين كان وكيلاً للنيابة الإدارية، ويكتب كل أسبوع مقالاً يتركه عند «ريتا» عاملة التليفون وبعد 8 أشهر طلبت السيدة روزاليوسف أن تراه ورشحه إحسان عبدالقدوس دون سابق أى معرفة رئيساً لتحرير صباح الخير، لكفاءته ورصانة أسلوبه والوعى العام الذى يتمتع به ذهن متقد، وصدرت صباح الخير تعبر عن طعم جديد فى الصحافة وتخاطب العقول الشابة والقلوب الأكثر شباباً وتحرراً، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أحمل قصاصات ورق وقلماً وأسجل ما أراه وأسجل انطباعى أيضاً، وربما كان صلاح منتصر الوحيد المتربص للحدث أو المعلومة، ويحمل فى جيبه نوتة صغيرة لا تفارقه، ذلك هو جيلنا، بين قصاصات الورق التى أحتفظ بها عناوين تصلح مقالات وبعضها ملاحظات جديرة بالتسجيل، وجزء منها تساؤلات عامة أفرج عنها أحياناً.
■ قصاصة فيها تساؤل: أين قلم المفكرة المصرية د. نعمات أحمد فؤاد؟ كان قلمها مهماً ويحسب له حساب أفتقده فى هذا الزمان.
■ قصاصة شخصية من مفكرتى، بعض المواطنين يتصلون بى تليفونياً ويلقون لى بمشاكلهم وهمومهم، ظناً منهم أنى مازلت أقدم «حديث المدينة» وبالطبع أحترم ثقتهم الغالية وربما لا يعرفون أنى لم أعد أقدم حديث المدينة منذ زمن الإخوان، وكنت أقدمه على مدى 23 عاماً متواصلة، للإحاطة فقط.
■ قصاصة تتساءل فى قلق: هل المسؤولون فى مصر فى مواقع المسؤولية يقرأون الصحف قراءة واعية أم «يلقى مجرد نظرة على مانشيتات الجرايد» وهو يحتسى فنجان قهوته الصباحية، هل يراقب تحقيقات التليفزيون الهامة التى تتعرض لمشاكل مرتبطة بالناس؟ ولا طريق ثالث يلجأون إليه غير الصحف أو الشاشات، المهم، هل تقع عينا المسؤول على هذه الهموم أم غالباً ما «يطنشها»؟ وماذا يفعل المواطن الغلبان ولمن يلجأ؟ هذه النقطة بالذات تزرع التذمر، وعندما يكبر التذمر يصل إلى حالة «الهوجة» والهوجة، وجه من وجوه الفوضى، صحيح أن العذاب يسكن قلوب ناس غلابة ولكن أرجو أن نتيقن أن صيحات الغلابة بمثابة زئير، ولأنى أثق أن قرائى من الأذكياء فلن أستطرد فى معنى «زئير»!
■ قصاصة تضم معلومتين، واحدة سمعتها من الكبير د. مجدى يعقوب عن «الزعل» يراه د. مجدى «أول انكسار للقلب وشرايينه»، والمعلومة الثانية من النابه د. على شفيق يقول إن «الزعل» يضرب بقسوة مراكز المناعة التى تؤدى إلى «أورام» خبيثة.
■ قصاصة فوجئت بسؤال سطرته منذ وقت: هل فى مصر عقول؟ هل هذه العقول تعمل كفريق كرة متناسق؟ هل نستفيد من هذه العقول ونستثمرها أفضل استثمار؟ هل هناك مجلس أعلى لهذه العقول يضعها على الطريق الصحيح لتأتى بثمار؟ هل حصرنا «التخصصات المطلوبة» لكى نمضى فى تحقيق مشاريعنا على الوجه الأكمل، ومن يقوم بهذا الدور؟ إن فى مصر عقولاً بهرت العالم، بل إن هناك أسماء مصرية تعاون الرئيس الأمريكى، فهل نحن نملك أن نفعل مثلما فعلت نيجيريا فى عهد أوبسنكو حين جمعت فى مجلس واحد اسمه «مجلس المائة عقل» ودوره المحدد والمرسوم له هو «نيجيريا» بعد 50 عاماً، إنهم يفكرون فى مستقبل الأحفاد من الآن. اللحظة الآنية من اختصاص الحكومة والوزراء التنفيذيين، أما الغد فهو من اختصاص «مجلس المائة عقل»، المسائل محسومة وحين قامت نيجيريا باختيار مكان جديد وأرض جديدة أطلقت عليها «لاجوس الجديدة» كانت تسعى لتخفيف الأثقال عن العاصمة لاجوس، سكان وخدمات، هكذا التحضير، أن يصبح المستقبل هاجس الدولة وليس آخر ما تفكر فيه، لا يجب أن يخطف «الحاضر» منا «المستقبل» وإلا فاجأتنا مشاكل عويصة. من المهموم بما أطرحه الآن؟ صحيح أن هناك تفكيراً فى إنشاء عاصمة إدارية جديدة لمصر ولكن أخبارها متناثرة، وفى مثل هذه الأمور، للوقت ثمن.
■ قصاصة ساخرة سجلتها يوم 6 أغسطس 2015 «يوم الاحتفال العالمى بقناة السويس الجديدة ونصها: عام واحد فقط استغرق إقامة مجرى مائى عالمى جديد يجلب الخير لمصر، والقمامة تستغرق أعواماً دون حل؟ عجبى....!
■ حين تعزلون أحداً من منصبه «هكذا السطر الأول من قصاصة حديثة»، لابد أن يكون بالقانون وليس عمال على بطال، خصوصاً فى مسائل الإهمال، حين نقرأ فى الصحف، إقالة فلان أو فصل علان، ذلك أنى أخشى من تضخم «الكتلة الحرجة» الغاضبة من الدولة والكارهة وربما الشامتة فى مكروه يصيب مصر، هؤلاء يتحولون مباشرة إلى نفسيات موتورة لا نضمن بصراحة ولاءها، هم بشر وكل مهمل خرج من موقعه يظن نفسه مظلوماً، ويتصور أن «السيستم» هو السبب وليس هو. أفكر فى أسلوب للعقاب غير الفصل يمنع من تزايد الكتلة الكارهة، فكروا معى، فلدىَّ إيمان بأن هناك «أمخاخ» تفكر أفضل منى.
■ قصاصة تحمل سؤالاً عاقلاً - أو هكذا أتصور: لماذا لا يكون تليفزيون مصر العربية فى مدينة الإنتاج الإعلامى على أسس جديدة وطاقات جديدة شابة من خريجى كليات الإعلام وعددها فى مصر «زى الليمون»؟ لماذا لا نفكر بشجاعة فى أمر الآلاف الساكنين فى ماسبيرو؟ ولماذا لا ندعو الكفاءات الهاربة للعودة بأجور مجزية مش ملاليم؟ إن فى كل مائة خريج أو خريجة عشر كفاءات، لا تعتمدوا على الحلاوة، هذا يجوز فى البطيخ فقط.
■ قصاصة ضمت عبارة لا أعرف من قائلها، لكنها بليغة: المال أصل الشرور.
■ طول عمرى منحاز لأمناء الشرطة واثقاً فى رجولتهم ووطنيتهم وعندما كنت أحاور وزراء الداخلية من حسن أبوباشا حتى حبيب العادلى، كنت معنياً بتوجيه سؤال عن «أحوال» أمين الشرطة المعيشية، لم يكن باعث سؤالى أن يصفق لى أمناء الشرطة، ولكن كان عندى هاجس مهم وهو أن تحسين أحوال أمين الشرطة يجعله «لا يمد يده» وكان سائداً أن أمين الشرطة يمد يده كما جاء فى إحدى خطب عبدالناصر، ومرت الأيام وصارت أحوال الأبناء بين تجاهل وزير واهتمام وزير، وللأمانة فقد بدأ الاهتمام بأحوال الأمناء منذ عهد حبيب العادلى ثم توالى الاهتمام، وأنا أعرف أن هناك عدداً لا بأس به من المفصولين من أمناء الشرطة بسبب ارتكابهم مخالفات وخطايا عجّلت بإنهاء خدماتهم، هؤلاء «موتورون» بالطبع ومن السهل تحريكهم فى فوضى اعتصام، وربما يتم «احتواء» الموقف ولكن ظنى أن وطنية رجال شرطة مصر فوق أى اعتبار، ولن يخيب الأمناء الشرفاء ظنى وقد عشت مدافعاً عنهم وعن أحوالهم وحقهم فى العلاج بمستشفيات الشرطة والترقيات، وعندما يدرك الأمناء الشرفاء أننا فى زمن إرهاب وسقط من رجالها الكثيرون فالأجدى هو الثأر لشهداء الشرطة من ضباط وأمناء وأفراد شرطة وليس تحويلهم إلى أداة بتحريض إخوانى، وأرجو ألا ينسى الأمناء الشرفاء أن هدف الإخوان منذ اعتلوا أول منصة هو القضاء على شرطة مصر باقتحام السجون والأقسام وتفخيخ مديريات الأمن، كان الهدف «مصر بدون شرطة».
■ قصاصة فيها اسم امرأة فى بركة السبع وسط دلتا مصر قيل لى إنها «قارئة فنجان» مذهلة ويذهب إليها المئات وتتجول فى حياتهم من خلال خطوط فنجان القهوة المقلوب، ولم أفكر - مجرد التفكير - فى الذهاب إليها حيث تقيم. ولم تستهونى الفكرة من باب الفضول أيضاً، لعلمى أن الحاضر والماضى والمستقبل بيد الله، جل جلاله، وهذا إيمانى الراسخ.
■ قصاصة سجلتها بسرعة وأنا فى مقهى على كتف البحر بالساحل الشمالى فى «مارينا 7»، نص العبارة: ناس عايشة وناس لايصة.
■ رأيت فى «مارينا 7» شخصية كانت تملأ الصحف والمجلات بأحاديثها وإطلالاتها، كان أشبه بهيكل عظمى هزيل يكاد يسقط، وأدركت كم تضيف السلطة لصاحبها من طلة وقوة وشباب رغم العمر وعنفوانه، وكم تسحب كل هذا عندما ينسحب بساط السلطة من تحت قدميه يا ولدى.
■ أحتار فى أمره: هل هو وطنى أم يدعى الوطنية؟ هل هو مصرى حتى النخاع أم مصرى حتى المصالح؟ هل القاهرة حبه ووجعه وهواه أم عواصم أخرى على خريطة الدنيا؟ هل هو مثقف والثقافة سلوك يقوده نحو الأفضل أم نحو الأسوأ؟ هل هو مهندس تعارف بين سين وصاد أم همزة وصل بين سين وصاد؟ هل يحتفظ مثلى بجواز سفر واحد يحمل النسر المصرى أم لديه أكثر من جواز سفر؟!!