x

جمال الجمل يا أنا يا أنت في البلد دي جمال الجمل الخميس 27-08-2015 07:41


جاءني عرض للسفر والإقامة خارج مصر، وكنت قبل أسابيع قد طلبت من بعض الأصدقاء تدبير أي فرصة تساعدني على الإقامة في الخارج لمدة سنة على الأقل.

أصيب الأصدقاء بما يشبه الصدمة من هذا الطلب.

سألني أحمد: أنت فكرت كويس؟، أم أنك تعلن احتجاجك وتذمرك في لحظة غضب عارضة؟

قالت ليلى: احجز ذهاب وعودة علشان أنا متأكدة إنك مش هتقعد أكتر من أسبوعين

وقال ياسر ضاحكا: الحمد لله الذي لم يخلقني فنانا.. وأنا اللي باعتبرك مخزون استراتيجي للأمل.. هنتسند على بعض، وبإذن الله محلولة.

خلال أيام سمعت نفس الطلب من عدد كبير من الأصدقاء وغير الأصدقاء، كلما جاءت سيرة السفر تنطلق العبارات: ومين سمعك؟... خدني معاك.. نروح في أي حتة... ربنا يتوب علينا من البلد دي....!!

إلى هذا الحد وصل بنا اليأس؟

سألت نفسي متعجبا من رغبتي في الفرار، وسألت نفسي ايضا: ألم أتحمل ظروفا أصعب من ذلك فيما مضى، لماذا أفكر في الهرب الآن؟

هل ذلك بسبب التعب الشخصي وكثرة الهزائم والإخفاقات؟/ هل صار الحال أسوأ من قبل ثورة يناير؟/ هل هي رغبة في تجنب صدام متوقع مع سلطة لديها مبررات كثيرة للبطش في لحظة عدم الاتزان التي تمر بها مصر والمنطقة كلها؟

كانت عبارة ياسر عن المخزون الاستراتيجي للأمل موجعة، برغم ما تحمله من تقدير ونظرة متفائلة، لذلك رددت عليه سريعا: من حق الجمل أن يتعب دون أن ننزع عنه صفاته!

لقد تحملت كثيرا، وصبرت كثيرا، ولبيت النداء في ساعة الطعان.. ساعة أن تخاذل الكماةُ، والرماةُ، والفرسان، دخلت المعركة، وكنت دائما في الميدان!

لا أريد أن أبكي مع أمل دنقل بين يدي زرقاء اليمامة، ولا أريد أن ألقى مصيرها، لا أريد أن تعذبني معرفتي، ولا أريد أن أنشطر بين الخضوع لضرورات اللحظة القاسية الضاغظة، والنزوع لمستقبل منشود يحرضني الوعي والحلم أنه بالإمكان.

لا أريد أن أقبل بالحد الأدني وأتبع نظرية «بوس إيدك شعر ودقن» و«كل واشكر» و«أحسن من سوريا والعراق».

لا أريد أن أتخلص من تهديد الإرهاب، بالدخول طائعا وخاضعا إلى كهف الخوف والإذعان.

لقد فكرت في المنفى المؤقت، لأنني لا أريد الصدام مع سلطة الإنقاذ في هذه الظروف الملتبسة، ولأنني أيضا لا أستطيع الامتثال لأي سلطة دون قيد وشرط.

لدينا مكتسبات نفاخر بها، ولدينا انتكاسات مخجلة، لدينا قليل من الأمل، وكثير من الألم، وأنا أؤمن أن شمعة صغيرة تكفي لتحدي العتمة، لكنني أتعجب ممن يتجاسرون على إطفاء الشموع في ليلنا الدامس بحجة الحماية من اللصوص، وهم بذلك يهيئون لهم الأجواء لارتكاب المزيد من السرقات وأفعال الظلام.

أنا في مأزق، ومعي ملايين المواطنين الذين يفكرون في هذا الحل السهل، فماذا لو أتيحت لنا الفرصة وحصلنا على «المنفى الآمن»؟.. من يهتم بالوطن إذن؟.. من يطارد اللصوص؟.. من يرفع صوته في ظلام البلاد: هاااع مين هنااااااك؟ ليزعج الأشرار والفاسدين؟

أعترف: لقد فكرت بنوع من الترف الذي يليق بحالم يريد أن يبني وطنه، لقد أصابني اليأس الذي انتشر كالوباء بين الشرفاء، لذلك أعتذر عن تفكيري، وأتراجع عن الطلب الذي طلبته من أصدقائي، برغم ضبابية الرؤية، وانسداد الأفق، وتعثر التوافق والمشاركة المجتمعية، برغم كل التحديات والظروف الصعبة، وأجدد صرختي التي لابد منها:

أيها اليأس: يا أنا يا أنت في البلد دي

أيهاالفساد: يا أنا يا أنت في البلد دي

أيها الظلم: يا أنا يا أنت في البلد دي

أيها البطش: يا أنا يا أنت في البلد دي

أيها التخلف: يا أنا يا أنت في البلد دي

أيتها العشوائية: يا أنا يا أنت في البلد دي

..........................................

هااع مين هنااااااااااااااااااك؟

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية