x

هل تنجح «طلعت ريحتكم» في كنس «نفايات لبنان السياسية» (تقرير)

الثلاثاء 25-08-2015 13:57 | كتب: دويتشه فيله |
تمام سلام تمام سلام تصوير : other

حالة ترقب تسود شوارع بيروت بعد يومين من احتجاجات ضد الحكومة تخللتها أعمال عنف، فهل تُغلّب الأطراف السياسية في لبنان المصلحة الوطنية على الانتماءات الطائفية؟ وما هي السيناريوهات المحتملة حال استقالة حكومة تمام سلام؟

هدوء حذر يسود شوارع بيروت بعدما قررت حملة «طلعت ريحتكم» الاحتجاجية تأجيل مظاهرات كانت مقررة مساء الاثنين إلى السبت المقبل. هو هدوء مؤقت بعد يومين من احتجاجات ضد أزمة تكدس القمامة في شوارع بيروت وعدة مدن لبنانية أخرى، تحولت إلى أعمال عنف أسفرت عن جرح 61 مدنيا و99 من رجال الأمن، وفق وزير الداخلية اللبناني، نهاد المشنوق، وأكثر من 400 شخص وفق الصليب الأحمر اللبناني. فهل هو هدوء ترقب وانتظار لما سيفضي عنه اجتماع، يصفه البعض بالمصيري، من قرارات للحكومة اللبنانية الخميس المقبل؟ أم هو هدوء قبل العاصفة في بلاد تعاني من جمود سياسي وتناحر طائفي زادت من حدته الأزمة السورية والحرب غير المعلنة بين إيران والسعودية على النفوذ في الشرق الأوسط؟

للوهلة الأولى بدت احتجاجات المواطنين الغاضبين على فشل الحكومة في حل أزمة القمامة المتراكمة في الشوارع منذ منتصف يوليو الماضي في ساحة رياض الصلح في بيروت مشاهد معهودة. فسرعان ما ذكرت باحتجاجات ميدان التحرير في القاهرة وسابقاتها في شارع الحبيب بورقيبة في تونس عام 2011. فهل ينذر التاريخ بأن يعيد نفسه في بلاد الأرز أيضا خاصة وأن هناك محتجين رددوا نفس العبارات التي رددها التونسيون والمصريون بعدهم: «الشعب يريد إسقاط النظام»؟

«المشكلة الأساسية في لبنان، هذا البلد الذي يتمتع بنسبة كبيرة من حرية التعبير وغيرها من الحريات، تكمن في أن كل حركة مطلبية وكل حركة ذات بعد اجتماعي ومدني يمكن أن تخضع بسرعة لمساومات سياسية»، يقول الدكتور خطار أبودياب، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، في حديث لـ«DW عربية». ويضيف «أبودياب»، الذي يتواجد منذ أسابيع في لبنان: «مشكلة جمع ومعالجة النفايات ليست هي في حقيقة الأمر سوى الستار الذي يحجب الأزمة الحقيقية وهي أزمة الحكم في لبنان».

أزمة الحكم هذه تتجلى بوضوح في العديد من الملفات أهمها عجز الأطراف السياسية في لبنان حتى الآن على الاتفاق على رئيس للبلاد والذي لايزال منصبه شاغرا منذ مايو قبل الماضي، كما أن الخصومات السياسية والطائفية في لبنان حالت دون معالجة العديد من القضايا ما ولد جمودا سياسيا مستمرا منذ سنوات، يوضحه «أبودياب» بالقول: «في هذا البلد الحكومة شبه معطلة، المؤسسات معطلة، ثم أتت أزمة النفايات لتزيد الطين بلة ويشعر جزء كبير من الرأي العام بمزيد من الاستهداف وبأن المعاناة في تزايد مستمر نتيجة عدم قدرة الطبقة السياسية على معالجة الأمور».

صحيفة «فاينانشيل تايمز» كتبت قبل بضعة أسابيع معلقة على أزمة النفايات قائلة: «بالنسبة للعديد من اللبنانين فإن الأزمة رمز فاضح لميل الحكومة إلى التغطية على المشاكل العاجلة بدلا من حلّها. وما بدأ كأمر مزعج تحول إلى خطر على الصحة وتهديد للاقتصاد»، ولا عجب إذًا أن ينتفض اللبنانيون على نخبهم السياسية بعدما أصبحت القمامة تحاصرهم في كل مكان، ورئيس الحكومة اللبنانية، تمام سلام، الذي أعرب مرارا عن إحباطه من إخفاق حكومته، هدد، الأحد، بالاستقالة، وهاجم السياسيين قائلا إن «المشكلة الأكبر في البلد هي النفايات السياسية».

وفي الواقع كافحت حكومة «سلام» لاتخاذ قرارات أساسية بما في ذلك الاتفاق على خطة للنفايات في بيروت بعد إغلاق مكب نفايات خاص بالعاصمة وضواحيها الشهر الماضي دون الاتفاق على فتح بديل، وتم حل الأزمة مؤقتا عندما أزيلت القمامة في نهاية المطاف، لكن المشاحنات داخل الحكومة حول اسم الشركة التي ستفوز بالتعاقد الجديد جعلت المعارضين يوجهون اتهامات لها بالفساد. ويعزو الخبير اللبناني الأصل الأزمة السياسية في لبنان إلى أن ولاء مختلف الزعماء والتيارات السياسية للانتماء الطائفي على حساب المصلحة الوطنية ويقول: «في لبنان مع الأسف (...)، نحن لسنا أمام مواطنين وإنما أمام مكونات طائفية، وكل شيء يُركّب حسب الانتماء الطائفي».

يذكر أن الحكومة تضم الأحزاب اللبنانية الرئيسية المتناحرة بما فيها تيار المستقبل بزعامة رئيس الوزراء السابق السني، سعد الحريري، إضافة إلى حزب الله الشيعي والأحزاب المسيحية، كما أنه يتعين في لبنان أن يكون رئيس الدولة مسيحيًا ورئيس البرلمان شيعيًا، فيما يجب أن يكون رئيس الحكومة سنيًا وفقا لاتفاق الطائف عام 1989 والذي مهد لإنهاء الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان لأكثر من 15 عامًا.

ولعل تصاعد حدة التوتر في مجلس الوزراء في الأسابيع الاخيرة بسبب التعيينات في الأجهزة الأمنية والجيش مجرد مثال بسيط على الانقسام السياسي الذي تحركه النعرات الطائفية ويتسبب في شلل شبه تام في أجهزة الدولة، ذلك أن الأطراف السياسية فشلت في الاتفاق بشأن استبدال قادة الأجهزة الامنية الأمر الذي دفع الحكومة إلى تمديد ولايتهم في ذلك قائد الجيش العماد جان قهوجي. هذا الامر أثار غضب التيار الوطني الحر بزعامة المسيحي ميشال عون، لأنه كان يسعى إلى تعيين صهره قائدا للجيش.

وكان سلام قال، الأحد، إنه إذا لم يتوصل اجتماع الحكومة، الخميس القبل، إلى حل بشأن أزمة النفايات «فلا ضرورة لوجود الحكومة أصلا». سيناريو ستكون تداعياته كارثية على لبنان، على ما يرى خطار أبودياب، ويقول: «حتى وإن لم يبق من الدولة في لبنان سوى الهيكل وبعض المؤسسات الفاعلة على غرار المؤسسة العسكرية ونظيرتها الأمنية، إلا أنه في حال سقطت الحكومة فسيكون من المستحيل تشكيل حكومة أخرى»، وفي حال استقالة حكومة سلام، فإنها ستتسبب في أزمة دستورية، وحسب النظام اللبناني، فإن الرئيس هو من يعين رئيس الوزراء، كما أن تشكيل حكومة سلام جاء بحراك إقليمي ودولي وبمباركة إيران والسعودية القوتين الإقليميتين المتنافستين تجنبا لفراغ كامل في السلطة التنفيذية.

فهل تغلب الأطراف السياسية اللبنانية المصلحة الوطنية على الحسابات الطائفية تحت ضغط الشارع اللبناني الذي ضاق ذرعا من فشل نخبه السياسة؟ على أي حال يبدو أن الشارع اللبناني لن يهدأ إذا لم ير حلولا، ففي سياق متصل، كتبت صحيفة النهار اللبنانية في عددها الصادر، الاثنين، قائلة: «لم يعد الأمر يتعلق بنقمة أو انتقام ردا على أزمة النفايات العضوية التي كانت شرارة الشارع (...) إنها على الأرجح الفرصة الأخيرة أمام الإنقاذ، بعدما تسبب سلوك المنتمين إلى سلالة السلطة في إقفال كل ممرات التغيير الطبيعية، سواء عبر انتخاب رئيس الجمهورية أو عبر إجراء الانتخابات النيابية».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية