أعرف يوسف الأحمد، سفير سوريا السابق في القاهرة، منذ ما قبل 25 يناير 2011، عندما جاء سفيرا إلينا، خلفا للسفير عيسى درويش الذي كنت أعرفه أيضا والذى كان شاعرا وكان نجما في منتديات وحفلات العاصمة.
وحين التقيت الأحمد في دمشق قبل أسبوع قال- ما معناه- إنه لا يعتبر نفسه سفيرا سابقا لبلاده عندنا، وإنه لايزال السفير الحالى، لسبب بسيط هو أن أحدا لم يحلف اليمين بعده سفيرا، وحتى يحدث ذلك فهو في تقديره يظل السفير.
والعتاب الذي سوف تسمعه من السفير الأحمد في دمشق سوف تسمعه من كل سورى آخر خارج دمشق، وهذا العتاب هو أن كل القرارات المقرفة التي اتخذها محمد مرسى، وقت أن جاء به سوء حظنا رئيساً، قد جرى إلغاؤها ومحوها تماما إلا قرار قطع العلاقات مع سوريا وطرد السفير، وهى مسألة غير مفهومة عندهم.. وأعتقد أنها كذلك غير مفهومة هنا.
إن أحدا لم يكن يتخيل، ولو على سبيل الخيال، أن يأتى يوم يصدر فيه الرئيس الجالس على الكرسى في القاهرة قرارا بقطع العلاقات مع سوريا.. فهذا آخر ما كان الواحد منا يتصوره، إذا حدث وتصوره أصلا، ولكن المؤسف أنه قد حدث، وعندما حدث فإنه جرى على يد إخوانى بما يقول لك بالضبط كيف كانت تفكر هذه الجماعة الإخوانية، وكيف كانت ترى ارتباطات مصر بجوارها في كل اتجاه، وهل ننسى مثلا أن المسمى مرسى قال في أول زيارة له إلى الرياض بعد فوزه إنه جاء لتشكيل حلف سنى في مواجهه حلف شيعى؟! هل ننسى هذا؟! إذا كنا قد نسيناه فأرجو أن نظل نتذكره، ثم نظل نتذكر أن ما قال به مرسى وقتها هو ذاته ما يسعى به الأمريكان الآن بين دول المنطقة لإشعال النار بينها وتدميرها!
علينا أن نظل نتذكر هذا، وأن نظل نلفظه ونكشفه ونعريه؛ لأنك لو سألت أي مصرى عما إذا كان سنياً، أو شيعياً، فسوف يسألك عما تعنيه، وسوف يرد عليك بأنه لا يفهم السؤال؛ لأن كل ما يفهمه أنه مسلم وكفى، وأن حكاية سنى أو شيعى هذه دخيلة علينا تماماً، وأنها ليست واردة عنده، وأن علينا أن نكون على حذر منها طوال الوقت، وألا نقع في فخ ترديدها، لأنه لا يراد بنا أي خير من ورائها.
إننى أخاف أن يتكرر مع سوريا ما وقع من قبل مع إيران، حين كان هناك طرف خفى يؤجل عودة علاقتنا معها إلى مستواها الطبيعى كلما أوشكت العلاقة أن تعود!
موقع القاهرة في دمشق موقع شاغر وهو ينتظرها وينتظرها، لأنه لا أحد سوانا قادر على أن يملأه، ولأن وجودنا هناك في حدوده الطبيعية مهم للغاية، وعلينا أن نذهب بسرعة ودون تأجيل؛ لأن وجوداً مصرياً قوياً هناك كفيل بحل المشكلة بين الرياض وبين دمشق أو تخفيفها على الأقل لعل ما كان ذات يوم بين القاهرة ودمشق والرياض كعواصم ثلاثة قوية يعود من جديد فهو ليس مستحيلا، كما أنه يصب في مصلحة كل مصرى، وكل سورى، وكل سعودى، ثم كل عربى دون استثناء من وراء الثلاثة!