لا يمكن أن تكون فى العاصمة السورية دمشق ثم لا تزور الجامع الأموى، الذى يجعلك على الفور تعيش أجواء مسجد الإمام الحسين فى القاهرة، بكل روائح التاريخ التى تحيط به، ثم تعانقه من كل جانب!
وعلى ذكر الجامع الأموى، الذى ينتسب - كما ترى من اسمه - إلى الدولة الأموية، التى حكمت عالمنا الإسلامى فى أيامها مائة عام، والتى كان مقرها دمشق، وكانت الأعوام المائة من 32 هجرية إلى 132 هجرية، فإننى أذكر أنى حين كنت أطالع يوماً فى تاريخها توقفت عند موسى بن نصير، فاتح شمال أفريقيا، والأندلس «إسبانيا والبرتغال حالياً»، وكيف أنه لما كان فى طريقه، ذات يوم، من القاهرة إلى لقاء مع الخليفة الوليد بن عبدالملك فى دمشق، قال إن المسافة بين المدينتين تستغرق بضعة أسابيع!
ولأن كلمة «بضع» أو «بضعة» فى اللغة تعنى أن يكون العدد من ثلاثة إلى تسعة، فهذا معناه أن المسافة التى تقطعها الطائرة الآن فى ساعة واحدة لا أكثر، كان موسى بن نصير، والذين عاشوا أيامه، يقطعونها فى مسافة زمنية حدها الأدنى ثلاثة أسابيع، وحدها الأقصى تسعة أسابيع!
ولا يمكن أن تكون هناك، مثلى، ثم لا تزور قبر رأس نبى الله يحيى عليه السلام، فى داخل الجامع الأموى.. أما قبر جسده فلا أحد يعرف أين هو على وجه اليقين!
ثم لا يمكن أن تكون هناك ولا تزور قبر السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبى، المجاور للجامع، وسوف تقرأ على قبر ذلك البطل، الذى صد هجوم الصليبيين وحقق عليهم نصراً حاسماً فى موقعة حطين الشهيرة، أنه مات فى عام 1193 ميلادية، وسوف يدهشك أن تجد له قبرين متلاصقين: واحد له إطار خشبى هو المدفون فيه فعلاً، وآخر من الرخام كان ملك ألمانيا «غليوم الثانى»، قد زار دمشق عام 1878، فأزعجه أن يكون بطل بحجم صلاح الدين مدفوناً فى مقبرة خشبية، فأهدى إلى الدولة العثمانية، أيامها، قبراً رخامياً يليق بالبطل الراقد فى مكانه، فى سلام!
وقد وضعوا القبر الجديد إلى جوار القديم، ثم نقشوا على كل واحد ما يشير إليه، وقالوا إن الأول يضم رفات البطل، وإن الثانى يخلو من أى شىء!.. فكأن الله تعالى قد أراد أن يميز صلاح الدين فى موته، كما ميزه ببطولته فى حياته، فجعل له، خلافاً لسائر الأبطال، قبرين اثنين!
وإلى جانبه يتمدد الشيخ الإمام رمضان البوطى، وحفيده، ولابد أننا نذكر أن الشيخ الإمام، الذى كان عالماً فذاً، قد فارق الدنيا فى مارس 2013، عندما كان يلقى درس تفسير فى جامع الإيمان بدمشق، ففاجأه إرهابى أحاط نفسه بحزام ناسف، فسقط الإمام شهيداً داخل الجامع، ومعه حفيده، وعشرات من طلابه الذين كانوا ينصتون إلى درس التفسير!
وعلى مسافة خطوات من البطل، والإمام، ترقد السيدة رقية، بنت الحسين، عليهما السلام.. إنها بقعة ينام فيها رجال، وسيدات، كانت رسالتهم فى الدنيا رسالة محبة، ورسالة سلام.. فلنأخذها عنهم!