أعتقد أن أي منصف يستعيد قراءة دستور ما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، المعروف بدستور ١٩٧١، ومقارنته بالدستور الحالى، سوف يوقن أنه لا مجال للمقارنة، فقد كنا في السابق أمام ما يستحق أن يطلق عليه دستور، الآن يمكن أن نطلق عليه أي شىء آخر بخلاف هذا المسمى، وباستعراض أسماء الأساتذة الأجلاء الذين وضعوا دستور ١٩٧١، ومقارنتها بالأسماء التي وضعت الدستور الحالى، لا مجال أيضا للمقارنة، والأسباب في ذلك معلومة للجميع، وباستعراض قانون الإرهاب الأخير، ومن قبله قانون التظاهر، مع ما كانت عليه البلاد قبل ٢٥ يناير، سوف نجد أننا نتراجع إلى الستينيات من القرن الماضى، حتى في وجود حالة طوارئ معظم الوقت، حيث لم يتم الرجوع إليها سوى مع الإرهابيين، أو تجار المخدرات، أو المسجلين خطر.
وباستعراض وضع الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمقارنة أيضا بين زمنين، أجد أن المقارنة لصالح الماضى من كل الوجوه، ويكفى قبل ٢٥ يناير أن أحداً لم يدخل السجن لمجرد التظاهر، أو رفع شعار، أو تعبير عن رأى، شفاهة أو كتابة، كما أن حالة الرعب والخوف التي تنتاب الآن معظم المشتغلين بالسياسة والصحافة تحديدا لم يكن لها وجود، ولو كان كل ذلك موجودا لما استطاع أحد النزول إلى الشوارع في ٢٥ يناير.
السؤال هو: ما الذي تحقق من ٢٥ يناير ٢٠١١، ومن بعدها ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وحتى الآن، سوى مقتل ما يصل إلى نحو سبعة آلاف شخص، من مدنيين، وغير مدنيين، ناهيك عن نحو عشرة آلاف من العاهات المستديمة، وحرق وتدمير مئات المنشآت، إضافة إلى خسائر لا حصر لها جراء إغلاق آلاف المصانع، وتوقف السياحة، وتراجع التجارة، إلى غير ذلك من المآسى.
بصفة شخصية أرى أن الأحداث السياسية، أو الدرامية، خلال الأعوام الخمسة الماضية، لخصتها الأحداث الرياضية في بلادنا قبل خمسين عاما مضت، في جملة واحدة هي، (شالوا ألدوا، وحطّوا شاهين)، ليس أكثر من ذلك ولا أقل، في السابق كان الفريق محمد حسنى مبارك يهادن الإخوان المسلمين، بمنحهم مقاعد في البرلمان، تزيد أو تنقص تبعا لمستوى الضغط الدولى، وفى اللاحق أصبح المشير محمد عبدالفتاح السيسى يداعب السلفيين، باستمرار أحزابهم في الساحة السياسية بالمخالفة للدستور، وفى السابق كان الفريق يغازل حزب الوفد، باعتباره الأقرب إليه نفسيا، وفى اللاحق أصبح المشير يداعب اليسار، بعد أن وجدوا فيه رائحة جمال عبدالناصر، أو هكذا رأوها مدخلا إليه.
الجديد في الأمر، أو الفارق الواضح بين زمنين، يتعلق بالفساد بالدرجة الأولى، في السابق كان للرُكب، الآن للأعناق، الفاسدون القدامى كان يمكن الاستدلال عليهم، كل منهم معلوم العنوان، ربما جميعهم من رجال الأعمال وبعض السياسيين، الآن هم، إضافة إلى ذلك، من أصحاب معاشات التقاعد المبكر، وهم كثُر، قد يكونون من فئتين محددتين، البعض يراها ثلاثا، أصبح باشوات ما بعد الثورات على غرار باشوات ما قبل ١٩٥٢ تماما، الثراء الفاحش، والاستحواذ على أكبر قدر من الأراضى، الفارق هو أن باشوات الماضى كانوا بالوراثة، الآن باشوات بالفهلوة، أو بالمال الحرام.
الدولة الرسمية كانت تغض الطرف، إلى حد ما، عن الفاسدين فيما قبل ٢٥ يناير، بدعوى احتوائهم، وعدم هروبهم بأموالهم إلى الخارج. أرى أن الأمر الآن خرج عن السيطرة، العملية لم تعد غض طرف، هم أصبحوا أقوى من الدولة، هناك من بينهم الآن من يناوئ السلطة الرسمية، ومن يسعى للاستحواذ على البرلمان، وهناك من يطمع في تشكيل الحكومة، ومن يقود أحزابا وائتلافات سياسية، بل هناك من يجمع بين كل ذلك، الوضع تعدى العمل بالتجارة التي نألفها، أو بالصناعة التي نعرفها، إلى الاتجار بالشعب، وإلى صناعة الملوك، من هنا كانت بوادر الانهيار.
على مستوى المرافق والخدمات، الصحة، المرور، الأسعار، الحالة المعنوية للمواطن، تزايد حالات الطلاق، ارتفاع حالات الانتحار، كل المجالات تقريبا، كان لابد إذن التمرد على الواقع، الحنين إلى الماضى يبدو أنه حالة مصرية، كما أشار الدكتور عمرو الشوبكى في مقال له مؤخراً، خاصة حينما ينزلق الوضع من سيئ إلى أسوأ، أصبحنا نسمع بصفة دائمة من يرددون: قول للزمان ارجع يا زمان، ولكن كل بطريقته، الترحُم على الماضى بات حديثا مألوفا بين العامة، ما الذي تغيّر، هل تغيرت الشرطة، بالتأكيد لا، وهل تغيرت معاملة المواطن، بالتأكيد إلى الأسوأ، وهل في الأفق ما يشير إلى أن شيئا ما سوف يتغير، هذه هي القضية، والإجابة دائماً بلا.
كنا نتوقع قفزة في إصلاح التعليم، بوادر قفزة في إصلاح المنظومة الصحية، مقاومة حقيقية للفساد الذي يستشرى يوما بعد يوم، مواجهة حقيقية مع الفاسدين، تغييرا جذريا في مستوى الخدمات، تحسنا من أي نوع في مستوى المعيشة، على العكس تماما، الأمر يزداد سوءا، سواء على مستوى الحريات وحقوق الإنسان، في غيبة برلمان فاعل وقوى، أو على المستويين الاقتصادى والاجتماعى، في غياب رؤية واضحة يطمئن من خلالها المواطن على مستقبله.
هو مجرد تحذير، يجب أن يؤخذ على محمل الجد.
بالفعل. السيارة تعود إلى الخلف.