x

أيمن الجندي الأدب مع الله أيمن الجندي السبت 22-08-2015 22:07


يقشعرّ جلدى إذا قرأت لأحد يتحدث عن ذى الجلال والإكرام بغير ما يليق بذاته العلية!!

البعض يظنون أن الإبداع الأدبى يعفيهم من التزام الأدب الواجب مع الخالق، والبعض يكون في حال محنة، ولما كان الله هو الفاعل الحقيقى فقد تفلت منه بعض العبارات غير اللائقة، وهناك من يكونون في حال وجد صوفى، فيخاطبون الله- تعالى- قريبا مما يخاطبون به البشر.

لكنى لا أرى ذلك صوابا على الإطلاق، لأن الله ليس كأحدنا. هو ليس صديقك الذي تختلف معه. ولا حتى هو الأب السماوى الذي تتدلل عليه، بل بيننا وبينه الحاجز الذي لا يمكن عبوره بين الخالق والمخلوق.

الجرأة على الله كفر. والدلال عليه خطر. وقد أرشدنا القرآن الكريم أن أكرم مخلوقاته عليه تتذلل إليه، ولا تخاطبه إلا في مقام التهيّب. الله الذي يسجد له ما في السموات والأرض. الله الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته. الله الذي تهبط الصخور من خشيته. الله الذي لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه! حتى الروح الأمين والملائكة المقربون يقفون في حضرته صفّا صامتين خاشعين.

بل حتى الملائكة الذين يحملون العرش، وبلغوا أرفع منزلة. حتى عندما يريدون الاستغفار لمن في الأرض، فإنهم يمهدون لذلك بالتسبيح والتمجيد: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ».

ألم تر إلى نوح الذي دعا قومه إلى الله ألف سنة إلا خمسين عاما! وكابد في سبيل ذلك من المشقة ما كابد! لمجرد أنه رأى ابنه يغرق أمام عينيه، ونادى ربه قائلا: «... إِنَّ ابْنِى مِنْ أَهْلِى وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ»، فإن ذلك لم يعفه من توبيخ الله تعالى لأنه كأنما يفترض أن الله لا يعلم!، فيخبره في صرامة: «قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّى أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ». وهنا يتملك نوح الرعب، ويتوسل إلى خالقه أن يعفو عن زلة لسانه: «قَالَ رَبّ إِنِّى أَعُوذ بِك أَنْ أَسْأَلك مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْم وَإِلَّا تَغْفِر لِى وَتَرْحَمنِى أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ».

يُقال إن نوح ظل يبكى على كلمته أربعين عاما!

وحتى المسيح- عليه السلام- صاحب المعجزات فإنه يقدم لربه الثناء والتمجيد والتعظيم قبل أن يجيب عن سؤاله:«أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ. قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلَا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ».

وبعد هذه التسبيحة الطويلة الرائقة يسمح لنفسه بالإجابة:«مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِى بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ».

هذه كلها دروس يعطيها لنا القرآن الكريم كى نعرف كيف نخاطب خالقنا. فلا فيض الوجد يعطينا الحق أن نخاطبه بدلال المحبين، ولا البلاء يعفينا من الأدب الواجب، ولا الإبداع الأدبى بعذر مقبول لإساءة الأدب. ما نحن إلا عبيد، بيننا وبين خالقنا مسافة شاسعة وحاجز لا يمكن تخطيه. فالأدب الأدب، والحذر الحذر.

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية