كان كل هدفى على مدى أسبوع قضيته فى سوريا، متنقلاً بين اللاذقية، وطرطوس، وحمص، ودمشق، أن أرى سوريا الشعب.. سوريا الوطن.. سوريا الأرض.. لا سوريا الحكومة أو الحاكمة، لأن هذه الأخيرة تذهب وتجىء، ولأن سوريا الأرض والشعب والوطن هى الباقية، وسوف تبقى، ولذلك فالرهان من جانبنا، ومن جانب كل عربى معنا، لابد أن يبقى عليها هى.. لا على شىء غيرها!
وربما يكون أكثر الأشياء التى تلفت نظرك بقوة هناك، أنهم لايزالون متمسكين بارتباطهم العربى، بشكل لافت للانتباه حقاً، وسوف يدهشك أنهم متمسكون به إلى الدرجة التى يقدمونه معها على ارتباطهم الوطنى ذاته!
إن العَلم السورى إلى الآن، لايزال هو نفسه العَلم الذى قامت تحت رايته الجمهورية العربية المتحدة، بين مصر، وسوريا، من عام 1958 إلى عام 1961، ففى تلك السنوات الثلاث كنا وكانوا دولة واحدة، وكان اسم سوريا هو الإقليم الشمالى، وكان اسمنا هو الإقليم الجنوبى.. صحيح أن وحدة من نوع ما قامت بيننا وبين الإخوة هناك، لم تكن مرشحة لأن تدوم، لأسباب كثيرة، ولكن هدفاً نبيلاً كان وراءها.. ومنذ انهارت الوحدة، تمسكوا بالعَلم الذى كان يرفرف فى البلدين، فى أيامها التى قاربت الألف يوم، وهو يشبه العَلم الحالى عندنا تماماً، ولا اختلاف بينهما سوى أنهم يضعون بدلاً من النسر الذى يتوسط المساحة البيضاء عندنا، نجمتين عندهم، وليست النجمتان سوى إشارة إلى مصر، وإلى سوريا متعانقتين!
وسوف تلاحظ، إذا كنت هناك، أن السورى يقدم نفسه لك، على أنه عربى سورى، لا على أنه سورى عربى، وأن اسم الدولة هو الجمهورية العربية السورية، لا الجمهورية السورية العربية، وأن شركة الطيران اسمها المؤسسة العربية السورية للطيران، لا المؤسسة السورية العربية للطيران.. وهكذا.. وهكذا.. فى كل شىء!
وسوف تلاحظ بقوة أيضاً، أن كل مواطن سورى لم يحدث أن زار مصر من قبل، يتمنى لو أسعده الحظ وزارها، ويبلغ به الشوق إليها أن يقول لك، إن هواه مصرى، رغم أنه لم يضع قدميه على أرضنا، ولم يحدث أن تنشق هواءنا.. ربما لأنه فقط كان يتربى، منذ صغره، على أن مصر وسوريا بينهما رباط خاص.. وأن هذا الرباط قد يغيب عن الأنظار، ولكنه أبداً لا يغيب عن الوجود.
آحاد السوريين الذين كان لى كلام معهم، فى المدن الأربع، كان عندهم شعور بأننا بعيدون عنهم، دون مبرر مقنع، وأن ما بيننا، كشعبين، من عمق ممتد فى العلاقة، لا يبرر هذا البعد، وأنه حتى الظروف الحالية التى تتعرض لها سوريا لا يمكن أن تبرر هذا البُعد، بل هى تستدعى أن نكون أقرب، لعلهم هناك يتجاوزون المحنة التى يمرون بها.
نحن، فى القاهرة، فى أشد الحاجة إلى أن نكون أقرب إليهم، لنساعد فى تجاوز محنة يمر بها الوطن السورى، ولأن دوامها، كمحنة، لن يكون فى صالحنا نحن هنا، بمثل ما لن يكون فى صالحهم هناك، وربما بالدرجة نفسها.. بل إنه لن يكون فى صالح العرب جميعاً.
مصر غائبة عن سوريا، وهى أولى الدول كلها بالحضور