x

عمار علي حسن لماذا يموت شبابنا فى البحر؟ عمار علي حسن الخميس 20-08-2015 21:40


«إن غرقت فى البحر سيموت واحد من أسرتى، وإن عشت ووصلت إلى أوروبا سنحيا جميعًا».. هذه عبارة موجعة قالها أحد الشباب المصريين ممن وقعوا فريسة لسماسرة «الهجرة غير الشرعية»، التى باتت ظاهرة تشكل قاسما مشتركا بين كافة الدول المشاطئة لجنوب البحر المتوسط، وأفريقيا جنوب الصحراء، بل العالم الثالث كله، وتقلق أوروبا على وجه الخصوص، لدرجة أن وزير الخارجية البريطانى فيليب هاموند قد قال فى تصريح له مؤخرا «المهاجرون الأفارقة يهددون مستوى المعيشة والنسيج الاجتماعى الأوروبى»، أما رئيس حزب رابطة الشمال الإيطالى ماثيو سالفينى، فذهب إلى ما هو أبعد من هذا حين دعا «أفريقيا إلى الانتباه لأهمية تحديد النسل»، فيما شرعت فرنسا وبريطانيا فى اتخاذ خطوة عملية لمكافحة هذه الظاهرة حيث وقعتا اتفاقا لتعزيز أمن الموقع ومكافحة الشبكات الإجرامية للمهربين والهجرة السرية.

وتعود هذه الظاهرة إلى عدة أسباب أولها اقتصادى، حيث تتسع رقعة الفقر والبطالة فى مجتمعات جنوب المتوسط وأفريقيا، وتبدو الدول عاجزة عن تلبية احتياجات وطموحات شريحة من الشباب تخرجت من الجامعات والمعاهد والمدارس العليا، ولم تستوعبها سوق العمل، ويبدو طريقها شبه مسدود فى تكوين حياة طبيعية لائقة، لاسيما مع غياب مشروعات حقيقية للتنمية، وتطبيق برامج التكيف الهيكلى، وتعاظم الاحتكارات، ووجود خلل جسيم فى توزيع الثروة، أو فى تساقط ثمار التنمية على القاعدة الغالبة من السكان. والسبب الثانى سياسى حيث الاضطرابات التى تضرب بقسوة الكثير من دول جنوب المتوسط وأفريقيا، جراء الصراع على السلطة من جانب، ومحاولة قطاعات اجتماعية التمرد على الأوضاع الظالمة القائمة من جانب آخر، وكل هذا بسبب عدم اكتمال عملية إنتاج الدولة المدنية الحديثة التى ترتب سبلا طوعية لانتقال السلطة، وتضمن التمثيل السياسى لمصالح كافة الفئات والشرائح والطوائف الاجتماعية، وتصون الحريات العامة فى التفكير والتعبير والتدبير. فى المقابل يدرك المهاجرون أنهم ذاهبون إلى بلدان تحترم حقوق الإنسان، وإن وجدوا فيها موطئ قدم ستتغير حياتهم بالكلية.

أما السبب الثالث فهو اجتماعى يرتبط تارة بالتهميش المستمر وظاهرة ترييف المدينة، وتارة أخرى بانسياب حكايات مثيرة وأسطورية حول عملية الهجرة وما يترتب عليها، لاسيما أن هناك قصص نجاح فعلية، يتم تداولها على نطاق واسع، سواء بالطرق التقليدية أم عبر مواقع التواصل الاجتماعى. وطالما ينجذب الشباب الراغب فى الهجرة إلى قصة نجاح واحدة لمهاجر، ويزيحون عمدا قصص فشل لا تحصى، انتهت بمآس وفواجع.

وهناك سبب رابع نفسى لا يمكن إنكاره، ويلعب سماسرة الهجرة عليه، حيث يضيق بعض الشباب بطبيعة الحياة فى بلدانهم، فى ظل امتلائهم بشعور جارف بأنهم يستحقون أكثر مما هم عليه، وأن لديهم طاقة جبارة غير مستغلة فى أماكن لا تتيح لهم أى فرصة للتحقق، وينظرون إلى مستقبل بلدانهم بتشاؤم مفرط، ينسحب على نظرتهم إلى الآتى فى حياتهم الخاصة.

والسبب الخامس يتمثل فى ثورة الاتصالات والإعلام الجديد التى حولت العالم إلى غرفة صغيرة، وجعلت قطاعات عريضة من شباب دول العالم الثالث على دراية بأنماط العيش فى المجتمعات المتقدمة، ويقارنونها بما يكابدونه فى بلدانهم، ومن ثم تتزايد داخلهم الرغبة فى الهجرة، لاسيما فى ظل القرب الجغرافى لأوروبا من أفريقيا، وكذلك ما يعلمه الراغبون فى الهجرة عن ظاهرة تناقص السكان فى القارة العجوز، ووجود أعمال هامشية فى الفلاحة والتشييد والبناء والخدمات لا يقبل عليها الأوروبيون، وتبقى فرص متاحة أمام المهاجرين.

وهناك سبب سادس يتعلق بقيام البلدان الأوروبية بفرض قيود صارمة على الهجرة الشرعية واللجوء السياسى، مما حدا بالشباب إلى أن يسلكوا هذا الطريق السرى فى سبيل الوصول إلى أرض أوروبا بأى شكل من الأشكال. كما أن بعض الأوروبيين من أرباب الأعمال باتوا يفضلون المهاجرين غير الشرعيين، فأجورهم زهيدة وأعمالهم مؤقتة لا تتطلب ضمانات ولا تأمينات ولا ما تفرضه عقود العمل من التزامات.

والسبب السابع يتمثل فى وجود شبكات متكاملة ترتب الهجرة غير الشرعية وتقوم بالدعاية لها والترغيب فيها، وتستثمر فيها الكثير، معولة على أن العائد منها بات كبيرا، والطلب عليها لا ينقطع.

وهناك سبب ثامن، لا يأتى أحد على ذكره، يرتبط بما يسميه عالم الاجتماع المصرى أنور عبد الملك «فائض القيمة التاريخى» حيث تراكمت الثروات فى أوروبا جراء نهب دول العالم الثالث خلال الحقبة الاستعمارية، فيما تحارب الدول الصناعية المتقدمة أى برامج تنمية حقيقية فى البلدان النامية والفقيرة حتى تظل سوقا رائجا لمختلف منتجاتها. ولعل العبارة التى ذكرها العالم الفرنسى المتخصص فى الدراسات السكانية ألفريد صوفى تلخص الأمر برمته حين قال بشأن ظاهرة الهجرة غير الشرعية: «إما أن ترحل الثروات حيث يوجد البشر وإما أن يرحل البشر حيث توجد الثروات».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية