x

عبد الناصر سلامة الأمن القومى.. من فلسطين إلى طرابيك عبد الناصر سلامة الثلاثاء 18-08-2015 21:32


من حبس ياسمين النرش، إلى زواج سعيد طرابيك، إلى خناقة ياسمين عبدالعزيز، إلى نسب توأم زينة، مرورا بقضايا الطلاق، والنفقة، والمتعة، وحتى الشذوذ، والإلحاد، والدعارة، أصبح المواطن فى مصر مهتما ومهموما بأحداث غريبة، توارت خلفها قضايانا المصيرية، أو قضايا الأمن القومى بصفة عامة.

مَن مِنا سمع خلال خمسة أعوام مضت مصطلح القضية الفلسطينية، أو الشأن العراقى، ومن منا أصبح يهتم لأمر الأزمة فى الشقيقة سوريا، التى كانت من مصر، يوما ما، علاقة اتحاد فى دولة واحدة، من منا على علم بآخر الأحداث فى ليبيا، الدولة الحدودية، من منا أصبح معنيا بالشأن العربى بصفة عامة، هل مازال بيننا من يطالب بتحرير المسجد الأقصى من يد المحتل الصهيونى، هل يوجد بيننا من يهتم لأمر تقسيم العراق، أو يعنيه ذلك الخراب الذى حل بسوريا، أو تساقط أخوة مدنيين فى اليمن بصفة يومية.

للعلم، هذه الحالة ليست مصرية خالصة، هى حال المواطن العربى الآن من المحيط إلى الخليج، حين حرَق الإسرائيليون أخيرا رضيعاً فلسطينياً، لم نسمع عن حالة احتجاج عربية واحدة، فى الوقت الذى ثارت فيه عواصم غربية عديدة، حتى احتجاجات الشجب والاستنكار الرسمية، التى كانت ذراً للرماد فى العيون، توارت هى الأخرى، استنادا إلى الغياب الشعبى فى هذا الصدد، حتى كتب التاريخ فى المناهج الدراسية أصبحت تنسحب شيئا فشيئا من هذا الذى كان.

أعتقد بذلك أن الهدف تحقق، وهو محو الذاكرة العربية، أو غسيل الدماغ العربى لصالح السطحية، والجهل، والطائفية، حلم القومية تبخر إلى غير رجعة، بل إن حلم الدولة أصبح محل شك، طائر التقسيم يخيم على كل الأقطار تقريبا، الحقيقة المؤلمة هى أن الاحتلال مازال جاثما على صدورنا حتى الآن، فى النصف الأول من القرن الماضى كان الاحتلال بالعدة والعتاد، فى النصف الأول من هذا القرن أصبح الاحتلال بالريموت كنترول، بالتوجيه عن بُعد، كان الآباء فى السابق فى مواجهة مع المحتل، الأبناء الآن يواجهون بعضهم بعضا، لصالح المحتل أيضا.

فى السابق كان الضحايا من الجانبين، أصحاب الأرض والغزاة، الآن الضحايا فقط من الأشقاء، قد يكونون أشقاء بالفعل من أب واحد، وأم واحدة، وقد يكونون أشقاء من دولتين عربيتين، الريموت يفعل الأفاعيل، أحيانا بفعل غسل الأدمغة، دينيا أو سياسيا، وأحيانا أخرى بفعل اليورو دولار، قبل أن تدخل على الخط أموال البترودولار الخليجية، التى أصبحت ملء السمع والبصر، فى كل مناطق النزاع بين الأشقاء.

للأسف، مازال بيننا بعض الأغبياء الذين يعتقدون أن الشأن الفلسطينى، أو الليبى، أو العراقى، أو السورى، أو اليمنى، هو شأن خاص بهذه الدول، كل على حدة، ومازال بعض السفهاء يرون أننا فى مصر بمعزل عن هذا الشأن أو ذاك، أو عن تقسيم هذه الدولة أو تلك، أو عن الخراب الذى حل بهذه العاصمة، أو ذلك الإقليم، ومازال بعض الجهلاء لا يرون أن الأمن القومى المصرى يبدأ من كل هذه الدول مجتمعة، بما يؤكد أن الخطر أصبح يتهددنا من كل اتجاه، وليس معنى مواجهة هذا الخطر هو أن نقوم بقصف هذه الدولة أو تلك، فقد أثبتت تجارب الماضى، فشل هذا الأسلوب، المطلوب هو الاحتواء للاستقرار، وفرض سياسة التعايش والسلام.

استطاع الريموت كنترول الخاص بقوى الاحتلال أن يجعل من زواج الفنان سعيد طرابيك قضية أمن قومى فى مصر، بديلا للقضية الفلسطينية، ومن قضية نسب أبناء الفنانة زينة بديلا للأزمة السورية، ومن خناقة الفنانة ياسمين عبدالعزيز بديلا للمعجنة العراقية، وعلى هذا يمكن القياس فى كل شؤوننا واهتماماتنا اليومية، التى أصبحت تعج بكل ما هو سخيف، وعبيط، وغبى، فى إطار حالة من الجهل العربى العام، طغت الطائفية، والتشدد، والتكفير، والاستقطاب، على كل مكوناته.

ولم يقف الأمر عند الشارع فقط، أو عند العامة تحديدا، بل تعداه إلى وسائل الإعلام، من صحافة، وإذاعة، وتليفزيون، فأصبح من الطبيعى أن تجد أقلاما لا هَم لها إلا النفخ فى الكير طوال الوقت، فى إطار إحداث مزيد من الانشقاق العربى، وسوف تجد قنوات تليفزيونية، ومحطات إذاعية، تحمل على عاتقها أيضا هذه المهمة، فى الوقت الذى تجد فيه كل هؤلاء مجتمعين يوجهون جهودهم، لساعات طويلة، فى نشر وبث أخبار ذلك الزواج، أو ذاك الطلاق، لتظل الذاكرة العربية لا تستوعب إلا كل ماهو ردىء، وساذج.

ما يجرى على الساحة العربية الآن، خاصة المصرية منها، هو عنوان لمرحلة، سوف يتم التأريخ لها بكل ما تحمل من مآس، وكل ما تخللها من تخاذل، وكل ما شابها من تآمر على الشخصية العربية، وعلى تكوينها، وأعتقد أن المخطط قد نجح إلى حد كبير، ولا تظهر فى الأفق حتى الآن أى بوادر للتقويم، فيما يشير إلى أنه مازال مستمرا بخطى واسعة.

ولأنه مازالت هناك على قيد الحياة أجيال من تلك التى عاصرت بعض أزمنة التضامن العربى، وتعى أهمية استرداد الحقوق المسلوبة، فمن الممكن أن تكون هناك بعض المقاومة الآن لأفعال الريموت، أو لأموال الفتنة الخليجية، إلا أن الكارثة تتعلق بالمستقبل، أو بهذه الأجيال التى مازالت فى مرحلتى الصبا والطفولة، والتى وقعت ضحية لذلك النوع من السياسات الخارجية المستكينة، وذلك النوع من الإعلام الفاسد، أو بمعنى أشمل، ذلك التغييب العقلى الشامل، تجاه جميع القضايا تقريبا، إلا ما هو مُصرح به من أمور الزواج، والطلاق، والعتاق.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية