أفتى ياسر برهامى بأن ريع سندات القناة ربا بواح، وينصح أن نتصدق بهذا الريع. ينسى الشيخ أن أموال الربا شرعا لا يجوز أن نتصدق بها، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا! وإلا أصبح الأمر كمن زنت وتصدقت. لم يتفق الفقهاء على تعريف أنشطة الربا تعريفا قاطعا، ليكون ما تبقى محسوبا لصالح التجارة وفقا لما جاء بالآية (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا). هذا الأمر دفع الناس إلى توسيع دائرة التحريم درءا للشبهات، حتى زاحم الربا علاقات البيع والشراء، فغلت أيدى الناس، وقيدت حركة التجارة والمعاملات. ونجح الإسلام السياسى فى نهاية القرن الماضى فى شل حركة البنوك لصالح شركات توظيف الأموال، ولهث الناس وراء حلم الاقتصاد الإسلامى، وضاعت أموال المودعين، وأموال البسطاء، وخربت بيوت وانتحر من انتحر وعاش يتكفف العيش ويتسوله من قدر له العيش، وكان للأسف لصالح فئة من رجال الأعمال من أصحاب اللحى المزيفة (لزوم الشىء) ولصالح المستشارين من المشايخ الذين ضللوا المودعين، ومنهم للأسف مشايخ كبار، وكانوا مصدر ثقة البسطاء وتقديرهم.
من أول السطر: كان الربا من الأنشطة المربحة قبل الإسلام، وكان المرابون يستغلون احتياج الفقراء لسد جوعهم وعطشهم وكسوتهم نظير أرباح مضاعفة، يصل الظلم فيه إلى استرقاق المدين «استعباده» وبيعه إذا عجز عن السداد. أكثر المرابين قبل الإسلام العباس عم النبى، والوليد بن المغيرة، والد خالد بن الوليد. ثلاثة عشر عاما فى مكة نزلت آية واحدة عن الربا وهى (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِى أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ) فلم تحرم هذه الآية الربا.
بعد الهجرة كان الربا العمود الرئيسى لاقتصاد اليهود فى المدينة، ولذلك لم يحرم الرسول الربا فى بداية الدعوة، لضرورته الاقتصادية حتى نزلت الآية «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا»، وبهذا حرم الربا تحريما قاطعا، وعفا عن ربا الجاهلية، قال الرسول «ربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربا العباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله» وتحايل الناس على هذا الأمر على النحو الآتى:
1- شراء العبيد بأموالهم وإعارتهم للعمل لدى السادة، والعبد له المأكل والمشرب من أردأ المأكولات ويدخل الأجر لجيب سيده.
2- البيع المؤجل، يشترى المرابى البضائع من مأكل ومشرب وغيره، ويقرضها للمحتاج بأضعاف مضاعفة وأطلقت عليه السيدة عائشة «الربا العاجل».
ونوجز ردنا فى عدة نقاط: الأول أن الربا محرم فى كل الأديان التى سبقت الإسلام للسبب ذاته وهو شكل من أشكال الظلم الاجتماعى مرفوض اجتماعيا وحرمته الأديان، ولابد أن يظل التحريم على الشكل الذى كان عليه ولا ينسحب على غيره وهو قبول المدين للظلم فى الاتفاق وإجباره على شروط مجحفة، ومضاعفة الربح أضعافا مضاعفة كلما عجز عن السداد حتى يصل الأمر إلى استرقاقه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. ولم يحرم الإسلام المشاركة أو الإقراض، بشروط عادلة يقبلها الطرفان لتحقيق مصلحة لهما دون إجبار. المؤمنون عند شروطهم.
الثانى: إن الفقراء هم الذين يقرضون الأغنياء وليس العكس، فودائع البسطاء من المودعين فى البنوك التى أودعوها لتحقيق عائد يساعدهم على نفقات الحياة، تمثل الغالبية العظمى من رأس المال العامل، والذى يقوم البنك بإقراض هذه الودائع لأصحاب الأعمال، أو المشروعلت الصغيرة، لتحقيق مصلحة له وللمجتمع، وكذلك مشروع القناة، المساهمون فيه بإرادتهم هم الغالبية العظمى من صغار المساهمين، تصبح أموال الفقراء وصغار المساهمين يستثمرها الأغنياء من البنوك، وتستثمرها الدولة فى مشروع القناة، فاليد الصغرى هى الأقوى، ولا إجبار ولا إكراه فى الأمر. العطاء هنا من الأصغر إلى الأكبر أو من الضعيف إلى الأقوى. فأين الظلم والغبن؟
الثالثة: أما عن تحديد الفائدة مقدما فإن إدارة المشروعات والبنوك تدير الأموال بطريقة علمية تضمن فيها الأموال، وتحقيق عائد مجز، وتحويل جزء من الأرباح للمخصصات فى الأعوام القادمة لثبات العائد الموزع على المودعين حتى لا تتأثر ولا ترتبك حياتهم وهذه هى المصلحة، وهى أساس الحكم فى الأمر. أما حكاية البنوك الإسلامية فهى أكذوبة، فمعظم ودائع المودعين فيها يتم إيداعها فى البنوك التجارية، والمضاربة فى البورصات العالمية وهى تحقق أرباحا تفوق قيمة أرباح المودعين بكثير، هذه البنوك الإسلامية تحقق أرباحا طائلة من فارق أرباح البنوك التجارية والمضاربات، والفائدة البسيطة التى توزعها على المودعين. وهم للأسف لا يعلمون أن هذه الأموال ربما ضاربت مضاربة غير إسلامية فى تمويل سلاح أو خمور أو غيره.
يا مشايخ السلفية الأمر أصبح أكثر تعقيدا فلم تعد أمور التجارة والاقتصاد مبنية على أساس قاعدة الحلال والحرام فقط، المسألة أصبحت تحكمها المصلحة والمنفعة، وتشغيل العاطلين، وضمان حفظ الأموال، وانسيابية وأمان تحويلها وحفظها ومواجهة التضخم، وأصبح الحكم يشمل ما هو أوسع من اللحية والغطرة. أمور السياسة والاقتصاد والعلم مهنة العلماء وليست مهنة المشايخ.