بعد عمل جماعى استغرق شهوراً طويلة، انتهت اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية من إعداد مسودة القانون الموحد لتنظيم الصحافة والإعلام، ومسودة قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية فى قضايا النشر والعلانية، لكى يبدأ الحوار حولهما مع الحكومة للانتهاء من نصوصهما النهائية لكى يتم تقديمهما للسيد رئيس الجمهورية لإصدارهما كقانونين بقرار جمهورى. وقد قامت أعمال اللجنة طوال الشهور التى مضت على عديد من المواد التى وردت فى دستور 2014، خاصة المواد الست الرئيسية المتعلقة بالحريات والحقوق والواجبات العامة وبتنظيم الصحافة والإعلام، وهى كلها تعادل، إن لم يفق بعضها، ما جاء فى كثير من دساتير دول العالم الديمقراطية، خاصة ما يتعلق بحظر الحبس فى قضايا النشر والعلانية، مع ترك ما يتعلق منها بالحض على العنف والتمييز بين المواطنين والطعن فى أعراض الأفراد للقانون لكى يحدد عقوباتها، وأيضاً الحظر التام لأى إغلاق أو مصادرة أو إيقاف لأى صحيفة أو وسيلة إعلامية ولو بحكم قضائى.
وبينما تقوم الجماعة الصحفية والإعلامية المصرية بهذا الجهد الذاتى، وبموافقة رسمية من الرئيس والحكومة وبأحكام مواد من الدستور، لكى تصوغ بنفسها التشريعات المنظمة لحريات الرأى والتعبير ومهنتى الصحافة والإعلام فى البلاد، لا تتوقف جماعة الإخوان، ومن ورائها تحالفها الداخلى والخارجى، عن الحديث عن «قمع وتدمير» هذه الحريات فى مصر، وكأنهم لم يقرأوا الدستور ولم يطالعوا ولو مادة واحدة مما انتهت إليه الجماعة الصحفية والإعلامية عبر اللجنة الوطنية. والأكثر لفتاً للنظر هو ما يقوم به حلفاء الإخوان فى الخارج، وكتيبتهم الإعلامية الرئيسية التى تمثلها قناة الجزيرة التابعة للحكومة القطرية، من مزايدات على الأوضاع الصحفية والإعلامية المصرية، وكأن الإمارة الصغيرة هى واحة حريات الرأى والتعبير فى الصحراء العربية القاحلة. وربما نسى الإخوة فى حكومة قطر وديوانها الأميرى ما لديهم من تشريعات خاصة بهذه الحريات، وربما لم يعرف حلفاؤهم من الإخوان بوجودها أصلاً، ولم يطلعوا على حرف منها، فهم لا يهتمون بحقوق الشعب القطرى الشقيق، وجُلّ اهتمامهم مركز على ما تمنحه لهم حكومتها من كل أنواع الدعم فى مواجهة بلادهم ونظامها وشعبها.
ولن نفرط فى التقديم والتحليل، ولكنا سنكتفى بتذكير حكام الإمارة بما لديهم من تشريعات «قامعة ومدمرة» بالفعل لأبسط حريات الرأى والتعبير، وبتعريف الإخوان بهذه الترسانة القمعية لدى حليفهم العربى الوحيد، وبتحدى قناة الجزيرة بأن تتجرأ وتتعرض ولو لمادة واحدة من مواد هذه التشريعات الاستبدادية.. وينظم أوضاع الصحافة والنشر فى إمارة قطر القانون رقم 8 لسنة 1979 الذى لم يدخل عليه من حينها سوى تعديل شكلى لمادة واحدة عام 1982، بما يعنى أن الحكم القطرى لم يواكب فيما يخص الحريات الإعلامية والصحفية أى تطور من التطورات الهائلة التى عرفها العالم كله بشأنها خلال العقود الأربعة الأخيرة، وظل على استبداده تجاهها دون أى تغيير. ولنترك أبرز مواد هذا القانون تتحدث عن نفسها:
المادة (2)
يشترط فى إصدار مطبوعة صحفية، فى قطر، الحصول على ترخيص كتابى بإصدارها من وزير الإعلام.
المادة (17)
إذا نشرت أى مطبوعة صحفية، تصدر فى قطر، أنباء أو مقالات تتضمن معلومات كاذبة أو مغلوطة تمس المصلحة العامة، فلمدير إدارة المطبوعات والنشر أن يطلب إلى رئيس التحرير المسؤول نشر التصحيح أو التكذيب الذى يرسله إليه. وعلى المطبوعة الصحفية نشره مجاناً فى العدد الصادر مباشرة بعد ورود التكذيب أو التصحيح إليها وفى نفس المكان الذى نشر فيه المقال أو الخبر وبنفس الأحرف.
وينطبق هذا الحكم على كل مطبوعة عربية أو أجنبية توزع فى دولة قطر. فإذا لم تستجب المطبوعة الصحفية للطلب، جاز حظر دخولها أو توزيعها فى دولة قطر بقرار من وزير الإعلام.
المادة (22)
لا يجوز لأى مطبوعة صحفية، تصدر فى قطر، نشر أى إعلان أو بيان من دولة أو هيئة أجنبية قبل موافقة وزير الإعلام. ويستثنى من ذلك الإعلانات التجارية التى تنشر وفقاً لتعريفة الإعلانات المعتمدة من المطبوعة الصحفية.
المادة (24)
يجوز بقرار من مجلس الوزراء تعطيل المطبوعة الصحفية لمدة لا تزيد على سنة واحدة أو إلغاء ترخيصها إذا ثبت أن سياستها تتعارض مع المصلحة الوطنية، أو تبين أنها تخدم مصالح دولة أجنبية، أو تحصل من أى دولة أو جهة أجنبية على معونة أو مساعدة أو فائدة بأى صورة كانت دون إذن من وزير الإعلام.
المادة (25)
يجوز فى الأحوال الاستثنائية، التى تتطلب فيها المصلحة العامة اتخاذ تدابير عاجلة، وقف إصدار المطبوعة بقرار من وزير الإعلام لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر.
المادة (26)
لصاحب المطبوعة الصحفية الحق فى التظلم من قرار الوقف أو التعطيل أو إلغاء الترخيص إلى مجلس الوزراء خلال شهر من صدور القرار. ويكون قرار مجلس الوزراء الذى يصدر فى هذا الشأن نهائياً، ولا يجوز الطعن فيه.
ويلاحظ على ما جاء فى المواد السابقة تركيز حق إصدار الصحف فى يد وزير الإعلام وحده، هو يملك أيضاً مع مجلس الوزراء حق إيقاف وإغلاق الصحف لأسباب مبهمة وبحسب تفسيره، بما فيها «المصلحة العامة» أو «المصلحة الوطنية». وتعطى هذه المواد حصانة كاملة لقرارات وزير الإعلام والحكومة فيما يخص حظر توزيع أو إيقاف أو إلغاء ترخيص الصحف، فهو «نهائى ولا يجوز الطعن فيه». أما الفصل الرابع من القانون والمسمى «المسائل المحظور نشرها» فيكمل المشهد الحقيقى لحالة الحريات الصحفية والإعلامية فى قطر، وأبرز مواده هى:
المادة (46)
لا يجوز التعرض لشخص أمير دولة قطر بالنقد، كما لا يجوز أن ينسب إليه القول إلا بإذن مكتوب من مدير مكتبه.
المادة (47)
لا يجوز نشر ما يلى:
(أ) كل ما من شأنه التحريض على قلب نظام الحكم فى البلاد أو الإساءة إليه أو الإضرار بالمصالح العليا للدولة.
(ب) كل ما من شأنه تعريض سلامة الدولة أو أمنها الداخلى أو الخارجى للخطر، وكذلك الدعوة والترويج لاعتناق المبادئ الهدامة.
(جـ) أنباء القوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وأفرادها، وبوجه عام كل ما يتعلق بالنواحى العسكرية والاستراتيجية، إلا إذا تم الحصول مقدماً على موافقة كتابية من القيادة العامة للقوات المسلحة.
(د) أنباء الاتصالات السرية الرسمية، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية حتى يتم إبرامها، إلا بإذن خاص من إدارة المطبوعات والنشر.
(هـ) كل ما من شأنه المساس برؤساء الدول أو تعكير صفو العلاقات بين الدول وبين البلاد العربية والصديقة.
(و) كل رأى يتضمن سخرية أو تحقيراً لإحدى الديانات السماوية أو أحد مذاهبها، أو يساعد على إثارة النعرات الطائفية أو العنصرية أو الدينية.
(ز) كل ما من شأنه الإضرار بالعملة الوطنية أو بلبلة الأفكار عن الوضع الاقتصادى فى الدولة.
(ح) كل ما ينافى الأخلاق أو يتضمن خدشاً للآداب العامة، أو يمس كرامة الأشخاص أو حرياتهم الشخصية.
(ط) كل ما من شأنه التحريض على ارتكاب الجرائم أو إثارة البغضاء أو بث روح الشقاق بين أفراد المجتمع.
(ى) وقائع التحقيقات والمحاكمات المتعلقة بالقضايا والأحوال الشخصية ما لم تصرح المحكمة المختصة بالنشر.
(ك) كل ما من شأنه إلحاق الضرر بسمعة شخص أو بثروته أو باسمه التجارى أو بقصد التشهير به أو إرغامه على دفع مال أو تقديم منفعة للغير أو حرمانه من مباشرة عمله.
(ل) أخبار إفلاس التجار أو المحال التجارية أو المصارف، أو الصيارف، إلا بإذن خاص من المحكمة المختصة.
(م) الطعن فى أعمال الموظف العام المتضمن قذفاً فى حقه، إلا إذا ثبت أن الكاتب كان حسن النية واعتقد بصحة الوقائع التى أسندها إلى الموظف العام، وكان اعتقاده هذا قائماً على أسباب معقولة بعد التثبت والتحرى، واتجه إلى مجرد حماية المصلحة العامة، واقتصر فيما صدر منه على القدر اللازم لحماية هذه المصلحة.
(ن) كل خبر أو مقال أو نبأ أو وثيقة يكون وزير الإعلام قد أبلغ رئيس تحرير المطبوعة الصحفية أو صاحب المطبوعة عدم نشرها.
المادة (58)
يجوز لمدير إدارة المطبوعات والنشر، بعد موافقة وزير الإعلام، أن يحذف من أى مطبوعة محلية أو مستوردة أى فقرة أو مقال أو بحث أو تعليق أو أجزاء منها متى كانت تشتمل على ما هو محظور نشره، طبقاً لأحكام الفصل الرابع من هذا القانون. ويتم الحذف إما بقطع الجزء المحظور نشره أو طمسه بالحبر أو بأى طريقة مناسبة أخرى. فإذا تعذر الحذف، جاز لمدير إدارة المطبوعات والنشر، بعد موافقة وزير الإعلام، أن يصدر قراراً بمنع تداول المطبوعة. ولا يجوز الطعن فى هذا القرار أمام أى جهة قضائية.
ولا تعليق يكفى فى النهاية على تلك المواد، ففيها ما يغنى عن أى تعليق.