x

مفيد فوزي عظيمة يا مصر يا أم الأمم.. مفيد فوزي الجمعة 07-08-2015 21:02


ليس عندى رهافة إحساس فاروق جويدة ولا شاعرية فاروق شوشة ولا أملك موهبة السر الغيطانى لجمال وأفتقد البحث الحواسى للزاهى بآثارنا، وليس لدىّ فضل صلاح فضل فى المعايير النقدية، ولكن بى شوق لأمسك بربابة أضمها إلى صدرى، أغنى عليها بصوتى الأجش «عظيمة يا مصر يا أرض النعم» ولست أملك أن أعفأ اللحن مثلما يعفأه ويحفظه ويسترسله غناءً الكبير وديع الصافى، كم هو وديع وكم هو صافى الإحساس بمصر أرض النعم. بى شوق يعربد فى صدرى أن أدندن بها طول الوقت ونغنيها فى المدارس ونرتلها فى الكنائس، مصر تستحق أن يقال عنها «عظيمة يا مصر يا أم الأمم».

■ ■ ■

أزهو بعلم مصر الذى يرفرف فوق الهامات وأعلى الأبنية وفوق صوارى السفن، إنه ليس قطعة قماش ملونة يزينها النسر، لكنها «رمز» نلتف به وحوله ونلتحف به، وترقص القلوب طرباً عندما تلمحه فوق سفارات بلادنا وفى تظاهرات شبابنا، حيث الحناجر مسكونة باسم مصر، لقد تغير علم مصر أكثر من مرة، فتحت عينىّ على اللون الأخضر والهلال الذى يحتضن النجوم، حزنت عندما اختفى وجاء علم الثورة، يومها قلت إن التاريخ باق كمسلة فى قلب ميدان لا تتغير نقوشها ولا تذهب كبرياؤها، ولقد تغير علم مصر مرات ومازلت أحن لخضرته وهلاله ونجومه، ولكن للعهود والحكام الذين تعاقبوا على مصر، رأى آخر.

وجواز سفرى المصرى هو «وثيقة» بلادى ويحمل أختام الدول، ولأنى مريض بالسفر ولا شفاء منه إلا بالسفر فإن أطبائى صاروا هم ضباط الجوازات فى المطارات، سافرت إلى كل الدنيا، ولحظة المغادرة يبدأ الشوق للعودة، أى سحر فيك يا أرض بلادى؟! ماذا يشدنى إليها وماذا يسمّر مشاعرى عندها؟ وما أكاد أعود وألمح مصر من شباك طائرتى، حتى «يقفز قلبى مشتاقاً رغم كل التناقضات والمتناقضات، رغم الغبار فى سماء قاهرتى، رغم القمامة فى أركان قاهرتى، لكنى مشتاق وبى لوعة! رغم كل هذا تهتف روحى «عظيمة يا مصر يا أرض النعم».

■ ■ ■

أنا مصرى بالجغرافيا، والتاريخ ومن يتأمل ملامحى، يكتشف توغل التاريخ فى وجهى، أشعر بفخر، بزهو، بتيه، بخيلاء، بتصوف، بفرح، بنشوة، بمسام تتفتح، كما السلاح فى يد جندى، كما الدرع فى يد النادى الأبيض، كما العالم الذى توصل إلى حقيقة، كما الباحث الذى عثر على دواء لمرض مزمن، الفخر بمصر له طعم آخر، إنه امتلاء بالسعادة يوم قمنا بثورات قاومت الطغيان، يوم أممنا القناة، يوم هدمنا خط بارليف الذى لا يقهر، يوم استعدنا طابا، يوم نوبل نجيب محفوظ وزويل، يوم انتشال مصر من المستنقع الإخوانى، ويوم حفرنا القناة الجديدة بسواعدنا بمهنية هندسية بحرية شهد بها العالم. ومن الزهو أن تضع أصبعك فى عيون المتشككين، الذين يقزمون عملاً قومياً يناطح السحاب، عليك أن تتجاهل ذلك الفحيح أو ترد بالواقع الذى يهزمهم ويكسرهم ويردهم إلى ضآلة أحجامهم.

■ ■ ■

أول عبارة حفظتها عن ظهر قلب، ما قاله مصطفى كامل «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً»، وعندما درست أحمد شوقى، كنت أردد خلف مدرس العربى سيد أفندى عبدالله «وطنى لو شغلت بالخلد عنه، نازعتنى إليه فى الخلد نفسى»، وعندما كبرت وأمسكت قلماً وجدتنى أعبر عن الوطن بالتراب وحصى بلادى وأحياناً أتغنى بنيلها وحضارة شاطئيه، وأحياناً ثالثة بالتراث والأهازيج الشعبية وثوابت الإيمان من فوق مآذن مساجده وتراتيل أجراس الكنائس وصلوات هياكلها، أنا من جيل لم يعرف من المسلم ومن المسيحى، أنا من جيل كانت أمى تضع فوق رأسها طرحة وتصحب أبى لزيارة عيلة زعزوع أفندى جارنا فى الدور الخامس على فنجان شاى ساعة العصارى، هذه هى مصر التى نحاول أن نستعيدها بعد انقسام لم نشهد مثله، تحولت المساجد إلى مخازن للسلاح (!!)، واعتدى على الكنائس والقسس، ولكن السيناريو الإلهى أعاد لمصر ثوابتها.

■ ■ ■

عظيمة يا مصر، يا مجتمع قديم ومستمر، غيَّر لغته مرتين، وناسه جعلوا من حكامهم آلهة، اعتنقوا الديانة المسيحية ثم الديانة الإسلامية، تعرضت مصر لغزوات، خرج منها الغزاة «مدحورين، منكسى أعلامهم، يجرون أذيال الخيبة وبقيت مصر عزيزة، ذهب الطغاة وبقيت حضارتها، أبداً لم يحدث يوماً انسداد فى خريطة مصر واستطاع المصريون تعميق أركان نظمهم وتقاليدهم وعناصر ثقافتهم، عظيمة يا مصر، نجد آيات الكتاب المقدس تتلألأ بمعانى حقوق الإنسان «والعدل العدل تبع» ثم تعانق الآيات القرآنية «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون»، عظيمة يا مصر، يا سبيكة واحدة تسبح بالله وتسجد وتخشع، وحين حاولت جماعة أن تثقب السبيكة، ردتها وأسقطتها ودحرتها ومازالت تقوى، هل يصلكم عواء الذئاب الهاربة إلى الشقوق؟! عظيمة يا مصر تترصد للذئاب أينما كانوا وأينما اختبأوا.

■ ■ ■

عظيمة يا مصر، قادرة أن تردى أى غارة، أى زوبعة، أى عاصفة على أرض الوادى، كل محاولات الاقتراب من سور حديقتك، قاومها الرجال السمر الأشداء، كل غارات الطائرات سقطت بقاذفات قنابلنا، حتى الهزيمة صنعنا منها حبالاً نشنق بها كل من أراد العبث بهويتنا، وفى أكتوبر المجيد استرد المصريون أرضهم وسدوا الثغرات على العدو، وبكى قادة العدو من الهزيمة والعار، وسينا رجعت لينا وعلى الربابة نغنى، ووقفت مصر أمام العالم بشموخها تقول هذه مصر وقد «وقف الخلق ينظرون جميعاً كيف أبنى قواعد المجد وحدى».

■ ■ ■

عظيمة يا مصر يا أرض النعم، يا معطاءة الوادى يا خضرة الأرض، يا سنابل القمح تحت شمسك الذهب، كما تغنت فيروز «لك ماض إن تذكرى يحمل الحق وينتسب»، يا ذات النماء والعطاء، يا ذات الثمار الطيبة واللقمة الهنية، لا ينام فيك جائع، تأملوا سعف نخيل بلادى وهو يفتح يديه متطلعاً للسماء، وكأنه يصلى ويتعبد، خاصية لا تراها إلا فى مصر.

■ ■ ■

عظيمة يا مصر، حين تقفين مع الحق «ولو أصابها وخز الإبر»، وقفت مع الفلسطينيين طوال العمر، بذلنا الجهد الجهيد للصلح بين فتح وحماس، وجاءنا من حماس الغدر حين ارتمت فى حضن الإخوان، لم نصدق هذا العداء الحمساوى ولكنه كان الحقيقة.

وتظل قضية فلسطين رغم كل الذى جرى وقضية العودة وقضية القدس الجريحة فوق جفونك يا مصر، ويوم قرر صدام حسين السطو على كعكة الكويت وابتلعها فى جوفه، كان بإمكان مصر أن تكون مع الذئب ضد الحمل ومع القاتل ضد القتيل ومع الرصاصة ضد الوردة ومع جنازير الدبابات ضد عظام الأطفال، ولكنها - كما تقول ابنة الكويت سعاد الصباح فى شهادتها: «بقيت مصر مخلصة لتراثها الإنسانى ولحضارتها التى أضاءت وجه العالم منذ 6 آلاف سنة».

■ ■ ■

عظيمة يا مصر، احتفظت على مر السنين بمقوماتك: الكبرياء والصلابة والشموخ حتى النصر أو الموت على أسوار القاهرة القديمة، من بطن ترابك خرجت المواويل تغنى ببهائك وخرج العمالقة من رحمك: سيد درويش وعبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ والسنباطى وبليغ حمدى وأحمد صدقى ومرسى جميل عزيز والأبنودى وجاهين وفاتن حمامة وماجدة ونادية لطفى ويسرا وسميحة أيوب ومحمود مرسى وأحمد زكى وعادل إمام، قوة مصر الناعمة تعزف على أوتار الحب لحن السلام، هذا البلد الطيب يتغذى على السلام ويشرب من نيل السلام، لعله رضع حليب السلام فشب يكره العنف ويمقت الحرب ويعادى الطغاة. عظيمة يا مصر، غنى أولادك للسد العالى ويغنون اليوم لقناة السويس الجديدة على ضفاف القناة وهى تزف كعروس بطرحة ساهمت فيها أموال المصريين بالمليارات فى ساعات محدودة، كانوا يتسابقون للفرحة وأفراحك قليلة يا مصر.

■ ■ ■

عظيمة يا مصر يا أرض النعم

عظيمة يا مصر يا مهد الحضارة

عظيمة يا مصر يا تاريخ البطولات

عظيمة يا مصر يا صانعة المبادئ

عظيمة يا مصر يا أغنية السلام

عظيمة يا مصر يا خير جند الأرض

عظيمة يا مصر يا قاهرة الإرهاب

عظيمة يا مصر يا كريمة العنصر

عظيمة يا مصر يا مهد الأديان

عظيمة يا مصر يا شمس الحضارات

عظيمة يا مصر يا صانعة التاريخ

عظيمة يا مصر يا حاضنة القناة

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية