x

سعد الدين ابراهيم «خير الدين حسيب» فارس بلا جواد سعد الدين ابراهيم الجمعة 07-08-2015 21:05


ربما لا يعرف كثير من القُراء الدكتور خير الدين حسيب. ولكن كل قومى عربى داعب قلبه حلم الوحدة العربية، لا بد أنه قد عرف الرجل، المُحارب من أجل توحيد بُلدان الوطن العربى من المُحيط إلى الخليج.

نعم صدّقوا أو لا تصدقوا، أن أربعة أجيال من أبناء مصر والبُلدان الذين يتحدثون لغة واحدة هى العربية، يحلمون بأن يستقلوا ويعيشوا فى دولة واحدة، مستقلة وديمقراطية، من الخليج العربى إلى المحيط الأطلنطى.

ولكن هذا الحلم المشروع لأبناء الأمة العربية الواحدة تم إجهاضه عدة مرات، سواء بقوى الهيمنة الأوروبية من الخارج، أو بواسطة قوى الاستبداد والاستغلال من الداخل. ثم جاء المشروع الصهيونى ليكون تتويجاً لتحالف ضمنى غير مُقدس بين قوى الهيمنة الأجنبية من ناحية، وقوى التخلف والتخاذل والاستغلال والاستبداد الداخلى من ناحية ثانية. وكان زرع إسرائيل فى قلب الوطن العربى فى منتصف القرن العشرين، ينطوى على عزل أقطار عربية فى المشرق عن أقطار عربية أخرى فى المغرب. وانشغل العرب بمواجهة هذا الخطر الجديد، الذى سيستنزف قواهم ومواردهم، طيلة الخمسين سنة التالية، والتى بدا منها أن حلم الوحدة العربية، وخاصة بعد هزيمة العرب الفادحة فى حربهم الثالثة أمام إسرائيل عام 1967، قد أجهض إلى الأبد.

ولكن القدر قيض لشعوب الأمة قلة مؤمنة من أبنائها رفضوا الإذعان للهزائم ومحاولات الإجهاض المُتتالية. وكان على رأس هؤلاء من العِراق سعدون حمادى وعبدالعزيز الدورى، وساطع الحصرى، ومن سوريا قسطنطين زُريق وميشيل عفلق، ومن مصر أحمد بهاء الدين ولبيب شُقير ويحيى الجمل، ومن فلسطين أحمد صدقى الدجانى، ومن الجزائر أحمد بن بيلا.

واختار هؤلاء المؤسّسون اقتصادياً عِراقياً نابهاً، ليكون مُديراً للمركز الجديد الذى أطلقوا عليه مركز دراسات الوحدة العربية، والذى اتخذ من بيروت مقراً له، وبدأ نشاطه الفعلى عام 1975.

كان اختيار خير الدين حسيب كأول مُدير للمركز الجديد قراراً صائباً للغاية. فقد كان الرجل قد حصل على الدكتوراه من لندن فى خمسينيات القرن الماضى، وتزامنت سنوات دراسته فى العاصمة البريطانية مع آخر موجات المد القومى، الذى بلغ أقصاه بتأميم جمال عبدالناصر لقناة السويس فى 26 يوليو 1956، وما تلاه من العدوان الثُلاثى (البريطانى ـ الفرنسى ـ الإسرائيلى) على مصر، فى أكتوبر 1956، ووقوف العالم الثالث والاتحاد السوفيتى، بل معظم الشباب الأوروبى مع مصر، حتى اندحر العدوان، وبدأت الشمس تغيب بسرعة عن إمبراطوريتين لم تكن تغيب عنهما الشمس، وهما الإمبراطورية البريطانية والإمبراطورية الفرنسية.

وأصبح خير الدين حسيب قومياً عربياً حتى النُخاع. وحينما عاد من بعثته الدراسية إلى العِراق، قام بالتدريس فى جامعة بغداد لفترة قصيرة، قامت خلالها ثورة فى يوليو 1958 على النظام الملكى الهاشمى، الذى كان حليفاً لبريطانيا وقاعدة لحلف بغداد، والذى ضم تركيا وباكستان وبريطانيا والولايات المتحدة. وبنجاح تلك الثورة بدأت مسيرة خير الدين حسيب فى العِراق، حيث تولى منصبين هامين هما وزارتا النفط والمالية.

ومن مآثره كوزير للنفط تأميم شركة النفط العِراقية البريطانية، على نحو ما فعل عبدالناصر مع شركة قناة السويس.

ومن مآثر خير الدين حسيب الأخرى، وهو وزير للمالية فى العِراق أنه أودع جزءاً من الفوائض المالية لبلاده فى البنك المركزى المصرى، وبذلك ساهم فى كسر الحِصار الاقتصادى الذى كان الغرب قد فرضه على مصر عقاباً لها على موقفها المُحايد، وغير المُنحاز، خلال سنوات الحرب الباردة. وكان وزير الخارجية الأمريكى جون فوستر دالاس، يعتبر الاتحاد السوفيتى شرا خالصا، وأمريكا والغرب خيرا صالحا، والحياد بين الخير والشر، هو موقف غير أخلاقى، ولا يجوز فى العلاقات الدولية.

وكان خير الدين حسيب فى قرار دعم مصر اقتصادياً بودائع عِراقية فى البنوك المصرية حريصاً على مصلحة العِراق أيضاً. ولكى يحمى ظهره ضد اتهامات مستقبلية، اتفق مع السفير المصرى فى بغداد، السيد أمين هويدى، الذى أصبح فيما بعد مُديراً للمُخابرات العامة، على أن تكون نسبة الفائدة على تلك الودائع أعلى بنصف فى المائة عن تلك التى تمنحها البنوك الأوروبية للعِراق فى ذلك الوقت (أواخر الخمسينيات وأوائل ستينيات القرن العشرين).

ومع ذلك تعرض د. خير الدين حسيب للتنكيل والسجن فى العِراق حينما وصل البعثيون إلى السُلطة. فقد كان حزبهم (البعث العربى الاشتراكى) يعتبر نفسه الوحيد فى الوطن العربى صاحب الدعوتين القومية والاشتراكية. وكان يُنافس حزب البعث فى هذا الصدد حركة القوميين العرب، بقيادة د.جورج حبش، وحركة أخرى أطلقت على نفسها حركة الناصريين العرب. ورغم الأرضية المشتركة بينهما فى المبادئ والمنطلقات، إلا أن المُمارسات الخائبة لتلك الحقبة من التاريخ العربى الحديث نحو الاحتكار واستبعاد كل من لا يتفق مع صاحب الدعوة اتفاقاً تاماً. وكان خير الدين حسيب، بُحكم تكوينه فى العِراق، وتعليمه فى بريطانيا، ذا توجه مُستقل لا يقبل التبعية الفكرية أو التنظيمية.

وبعد هزيمة العرب الفادحة على يد إسرائيل عام 1967، كان خير الدين حسيب، مع آخرين، من الذين رأوا إعادة تأسيس الفكر القومى العربى والنِضال من أجل الوحدة على قواعد علمية موضوعية، تتجاوز رومانسية المرحلتين السابقتين. وهو ما جسّمه مركز دراسات الوحدة العربية. فإذا كُتب للحلم العربى أن يتحقق، كما تحقق الحلم الأمريكى قبل مائتى عام، وكما تحقق الحلم الأوروبى قبل خمسين عاماً، فلابد أن يذكر المؤرخون المُنصفون خير الدين حسيب، كأحد من أسهموا فى تحقيق هذا الحلم.

وعلى الله قصد السبيل

[email protected]

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية