x

أحمد الدريني الفاشي الدولجي..أحمد بهاء الدين! أحمد الدريني الثلاثاء 28-07-2015 21:09



هل كانت الاتهامات لتطال الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين بأنه «دولجي» «فاشي» «لاعق بيادة» لو أنه أصدر كتابه ذائع الصيت «وتحطمت الأسطورة عند الظهر».. في أيامنا هذه؟
اختار «بهاء الدين» أن يقف على يسار النظام الحاكم، فلا هو الذي تملق ناصر ولا هو الذي نافق السادات، ولم يكن أبدًا مفضلًا لمبارك. وظلت سمعته نضرة وسيرته طيبة بريئة فوق الشبهات إلى أن غادر دنيانا.
الأمر الذي وفر له احترامًا من ناحية السلطة في كل مراحل علاقته بها، لدرجة أن عبدالناصر كان يقول للوشاة الذين يحاولون الوقيعة بينه وبين بهاء: «سيبوه هو دماغه كده». فيما كان السادات ينزعج من تشخصياته لحقبة الانفتاح، لكنه كان حريصًا على محاورته وتوضيح وجهات نظره في الأمور الجارية، وهو ما وثقه بهاء في كتاب «محاوراتي مع السادات».
أثناء سير معارك أكتوبر العظيمة، كتب بهاء كتابه المشهور «وتحمت الأسطورة عند الظهر» متناولًا تفاصيل النصر العظيم وتطوراته الميدانية على الأرض وكيف صنع الجندي المصري معجزة العبور، ثم أدار ملحمة القتال.
وأصل اسم الكتاب، رد على كتاب انتشر في سوق الكتب العربية بكثافة بعد هزيمة 67 تحت عنوان «وتحطمت الطائرات عند الفجر»، يقال إن مصدره الموساد الإسرائيلي، وهو أقرب لمنشور دعائي ضمن الحرب النفسية العنيفة التي كانت تتعرض لها الجيوش العربية حينها بوصفها «فاشلة» «غير مؤهلة للنصر أبدا».
ربما لو كان بهاء بين ظهرانينا وأصدر كتابه هذا، لانساقت نحوه جحافل السوشيال ميديا لتصفه بالدولجي الفاشي لاعق البيادة.. وهي نعوت ثلاثة كالتوائم المتلاصقة، يصرفها بسخاء قطاع لابأس به من جنرالات وسائل التواصل الاجتماعي، لأي فرد تسول له نفسه أن يحب جيش بلاده حبًا طبيعيا وأن يتعاطف معه وأن يدعمه في معاركه متسعة الجبهات.
موضوعية بهاء في تحليله السياسي، ونزاهته الشخصية التي وضعته على مسافة كافية من الأنظمة الحاكمة المتعاقبة، ليست محل نقاش، ووطنيته ليست محل جدال. فقد كتب كتابه المشار إليه أعلاه، لينفس عن غيظه الوطني وليدحض رواية الأعداء المكذوبة وليضمد الكبرياء الوطني الجريح ويقتص له في ساحة نزال الأفكار والكتابات.
لكن نازيي تويتر أو برابرة فيسبوك، لايفهمون هذا. فإما أن تكون معنا وتعتنق معتقدنا بأكمله، أو أن تذهب للآخرين!
ومن الآخرون؟ إخوانهم وجيرانهم وأصدقائهم وبقية أهليهم!
ربما طال أحمد بهاء الدين ما هو أكثر، ولوصفوه بأنه من دعائم «حكم العسكر» ومن مسوغيه ومنظريه وممرريه وبأنه «إعلام الشؤون المعنوية»، وبأنه ومصطفى بكري سواء.. فكل مصري محروق قلبه على جيشه وأفراده هو سيساوي دولجي بطبائع الأشياء! ولا فارق بين التهليل لـ«مصر» أو التهليل لـ«حاكم مصر».
في عرف وسائل التواصل إما أن تكون دولجيا لاعق بيادة تنظر بعيني الإكبار لمشروع قناة السويس، وتتحدث بحرقة وكبرياء عن جيش بلدك في معاركه ضد الإرهاب في سيناء، وبالتبعية تدافع عن الاعتقالات الهمجية التي يشنها النظام الحاكم، وتسانده في كل كبيرة وصغيرة... وإما أن تكون «مع الثورة» وترفض «كل» ما يصدر عن السيسي ونظامه.
والثورة هنا «قميص عثمان» الذي يتهاتف هؤلاء وأولئك باسمها، كما لو كانت مدونة في الشهر العقاري باسمهم، حصريا.
هكذا صوروا الـpackage، أو حزمة المعتقدات التي أنت تعتنقها كلها بالضرورة، أو تتركها كلها بالتبعية.
فما علاقة أن أدعم الجندي المصري في حربه ضد الإرهاب، بأن أكون بالضرورة من المؤيدين لسحق الناس في السجون والمعتقلات وبخطفهم من بيوتهم صبحة وعشيا؟ وما علاقة أن تبدي إعجابك بأن السيسي- كمسؤول آني ومؤقت عن الدولة المصرية- أنجز شيئا ما هنا أو هناك بحقيقة أنه رئيس يبدو مرتبكا وبأن خطابه السياسي في عمومه غير متزن وبأن نظامه مازال امتدادًا لعصور من الفساد الآثم؟
لماذا إما أن تكون معنا أو تكون مع السيسي؟ لماذا لا توجد مصر ضمن الخيارات؟ مصر الأرض والشعب والمصير، بما يحتمل أن يصلها من الخير والتقدم من السيسي وسوى السيسي؟ مني ومنك ومن غيرنا؟
البعض اختار أن يختلف مع السيسي جذريًا وأن يرفضه ككل، وهذا حق بديهي ووجهة نظر لها نصيب من المنطق. لكن أغلب هذا البعض يرفض كل شيء ويتشكك في كل شيء ويسخر من كل شيء لمجرد أنه صادر عن السيسي وفترة حكم السيسي.. وهذه مراهقةٌ مزعجة وتفاهة لاتتوفر إلا لدى الشعوب الجهولة التي لا تجيد خوض معاركها اليومية والمستقبلية الحقيقية وتنحيها جانبًا لصالح التلاكيك والإفيهات الطفولية.
بالطبع معنا على نفس الكوكب فصيل من «السيساوية» الأقحاح، الذين يبدو بأعينهم الرئيس منزلًا من فوق سبع سماوات ليملأ الدنيا عدلًا كما ملئت ظلمًا وجورا.. وهم –قيميا- يستوون مع أولئك الذين يصطفون سويًا في عصابة الصف المقابل.
يخفق الجيش أحيانًا ويصيب أحيانا، هكذا طبائع الأمور وحقائق الحياة. لكن نازيي وسائل التواصل لا يقبلون أن تذكر محاسن هذا الجيش ولا بسالته ولا محورية دوره في تحديد مصير مصر في هذه اللحظات الحرجة. أما رفاقهم في الألتراس المقابل فيصادرون عليك حقك في أن تعبر عن استيائك أو انتقادك لقصور في الأداء أو حتى حقك البديهي في التساؤل والرغبة في المحاسبة وسط ركام «العك» الذي نعاينه على مدار شهور. وفي المنتصف بين فريقي جهنم، تضيع فرصة أن نتحاسب ونطور أنفسنا ونتلافى أخطاءنا.
لقد أصابت وسائل التواصل الاجتماعي كثيرًا من الناس بلوثة ذهنية غريبة، فهناك حالة مزايدة مستمرة على كل شيء، ولسان الحال: أنا أكثر ثورية منك ومن اللي جابوك.. أيا كان طرحك..أيا كان رأيك.
ربما لو كانت هذه الأجواء هي التي تسيطر على مصر أثناء حرب 73، لنال بهاء الدين نصيب من الشتم في هاشتاج مخصص له تحت عنوان# الفاشي_الدولجي..فضلًا عن هاشتاج #الثغرة الذي سيسخر فيه الفصيل الأكثر نازية من ثغرة الدفرسوار وجيش المكرونة.
إن الفصل القيمي المتعمد بين الأشياء، والخلط المتعمد للأوراق لا يترك لنا مساحة للتقييم الموضوعي للمشهد، ويصادر علينا أن نخوض معارك حقيقية مع نظام حاكم حول قضايا التعليم والصحة والفساد والتعذيب في الأقسام والمعتقلات، لصالح الانخراط في نقاشات عبثية حول ما لاجدوى ولا طائل من ورائه.
وكل هذا لأجل أن تبدو خفيف الظل على تويتر.. أو أكثر ثورية ممن حولك على فيسبوك!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية